إن السيادة العقلية للمجتمع فرع من فروع السيادة الوطنية و لا تقل أهمية عن السيادة العسكرية أو الاستقلالية السياسة أو المالية أو السلطة المطلقة في اتخاذ القرار ، لكن المتابع للجهود المبذولة يرى أن الأهمية منصبة أكثر على كل ما هو شكلي و مظهري على حساب اللب و الأساس و هو العقل و الوعي الجمعي . و معلوم أن مجال القوى الناعمة المكونة و الموجهة للرأي العام للشعوب و المحددة لبوصلة سلوكه قد اتسعت قائمتها و لم تعد تقتصر فقط على وسائل الاعلام التقليدية و على بعض الفنون كالمسرح و السينما أو على دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمسجد و المدرسة و إنما أضحى على رأس قوائمها منتجات الثورة الرقمية التي تجاوز تأثيرها حد المتوقع و المعقول و الدليل على ذلك هو أن مجرد دعوة فايسبوكية مجهولة المصدر كانت الشرارة الأولى لحراك شعبي سلمي لم تشهد له الجزائر مثيل على مدى تاريخها كانت له هزات ارتدادية في منظومة الحكم أفرزت خرائط و رؤى للانتقال من الجمهورية الأولى إلى الثانية و عليه و بما أن الأمر بهذه الأهمية و التأثير الذي وصل إلى حد تغيير النظام السياسي و الدستوري للدولة فوجب إعادة تحديد مضامين و فروع مفهوم الأمن القومي فلم تعد الدبابة و لا الطائرة المقاتلة و لا المدفع الأدوات الوحيدة لحماية الحدود و صيانة السيادة بل يكفي زر واحد من العالم الافتراضي لإعادة صياغة العالم الواقعي . و اليوم السلطة الحاكمة مجبرة على عصرنة أمنها الالكتروني و حماية المخيال المجتمعي في إطار دولة الحق و القانون التي تستمد شرعيتها الحقيقية من فخامة الشعب السيد الأول و الأخير .