ارتفع سقف مطالب الحَراك الذي يقوده الشعب منذ أكثر من شهر وتدرّج سريعا في الانتقال من مطلب إلى آخر، فبعد حمل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى العدول عن طلب ولاية رئاسية ثانية وصل الحراك إلى ضرورة تنحي نظام الحكم ثم تحوّل إلى البحث في كنه إقامة جمهورية ثانية أو جديدة، وبين أن نجدّد الجمهورية أو نقيم جمهورية ثانية بون شاسع يقول العارفون بخبايا المصطلحات و التعريفات الصحيحة في عالم السياسة والدساتير . ومعلوم أنّ خمسة أحزاب جزائرية كانت قد أطلقت في مستهل شهر مارس الماضي مبادرة أسمتها التكتل من أجل الجمهورية الجديدة أكدت من خلالها تمسكها بضرورة استمرار المسار الانتخابي ودعت إلى حل البرلمان بغرفتيه واستخلافه بمجلس تأسيسي يسيّر الفترة الانتقالية وتوكل له مهمة صياغة الدستور الجديد، وإعداد قانون الانتخابات وقانون المفوضية العليا لتنظيم ومراقبة الانتخابات. وفي هذه الحالة نكون أما جمهورية جديدة بإصلاحات عميقة وجدّية، وهنا أيضا تكون هذه المطالب قريبة من الاقتراحات التي جاء بها رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة في الرسالة التي أعلن فيها عدم التقدم لولاية جديدة، مع تقديم اصلاحات مؤسسة لجمهورية جزائرية جديدة و هل الاقتراحات التي رفضها الشارع و أكد أنّ الآن صار يطالب باستئصال النظام الحاكم في البلاد . و من خلال المطالب التي تقدّم بها الشعب في الحراك السلمي دعّم طموحه للتغيير بما يحفظ المصلحة العليا للبلاد ورفض أيّ محاولة لتدخل أجنبي في الشأن الداخلي للبلاد مهما كانت الظروف والمبررات. ومن خلال التعجيل بالإصلاحات العميقة والجريئة مع توفير ضمانات الانتقال السلس للحكم، وتغيير النظام يكون التوجه إلى جمهورية جديدة تعود فيها مؤسسات الدولة إلى لعب دورها الأساسي والمناط بها في احترام إرادة الشعب والتقرير برفقته وبناء الجمهورية الجديدة المعادلة تبدو صعبة بين تجديد الجمهورية بالذهاب إلى اصلاحات عميقة تمسّ كل هياكل الدولة و بالجدّية التي يريدها الحراك الشعبي و دون سطو سلطة على سلطة ، وتحديد المهام وتحصين مركز صناعة و اتحاذ القرار من خلال الاستشارة الشعبية أو تفكيك النظام الحالي الذي يسيّر البلاد منذ الاستقلال ومضى على وجوده في القمّة أكثر من 57 سنة والآن يقول له الشارع الجزائري «بركات» فهذا يعني مسح كل شيء وتعطيل العمل بالمؤسسات الموجودة حاليا والعودة إلى مرحلة البدء وهنا نكون أمام معالم تأسيس جمهورية ثانية لا ندري كيف تكون طبيعة نظامها وطبيعة حكمها (حكم رئاسي، رئاسي برلماني..) وما هي أجهزة الدولة فيها . ومعلوم طبقا لما ينادي به الشارع في الجزائر أنّ منظومة الجمهورية الثانية بقيّمها الجديدة التي لا يريدون أن تشبه أيّ جمهورية أخرى أو تتبع نموذجا بعينه لن تعطي السيادة للمال الذي أغرق الجمهورية الحالية في الفساد والمصالح الضيّقة ، بصورة بات يشكو منها الجميع و كل الهيئات التي أنشئت من أجل محاربة الفساد دفنت في مهدها، كما لا ينبغي للجمهورية الجديدة من خلال شعارات الحراك توظيف المال الفاسد في الانتخابات التي صارت بورصة تلين لمن يدفع أكثر، على حساب التكوين السياسي والدفاع عن مصالح الشعب والأمّة. والجمهورية المقبلة التي يتوق إليها الشعب لا تعترف أيضا بالخلل الاقتصادي.