كان ولا يزال المجتمع الجزائري بكل فئاته ومستوياته الاجتماعية و الفكرية مثالا يُحتدى به في التكافل الاجتماعي الذي تنوعت صوره التضامنية، وأخذت أسامي متعددة باختلاف الظروف و الحاجة و المنطقة، و منها « التويزة « و«المدِيرة» «و « النصيفة «وغيرها. بحيث لا تزال بعض العائلات تحافظ على عادة الأجداد « التويزة «، و هي تعني تكاتف جهود الأفراد من الأقارب و الجيران، والمعارف لقضاء حاجة أو خدمة فرد أو عائلة ما، و هي كلمة أمازيغية «تويزي» من الموروث الثقافي الجزائري تعني تعاون الجماعة من أجل مساعدة محتاج ، حيث تقول السيدة فاطمة من بن فريحة : «أذكر أن والدي شارك في « التويزة لبناء « مسجد القرية التي كنت أقطن بها بغليزان، و كثيرا ما كان يشارك الفلاحون في جني المحاصيل الزراعية مجانا، ومثل هذه المساعدات تعود علينا بالنفع لكسب الأجر»، و تضيف منصورية من منطقة السوقر : « لا تقتصر التويزة على البناء و جني المحاصيل و إنما تتعدى إلى المساهمة في تعويض من تعرض إلى خسارة مالية على غرار الذي احترق منزله أو دكانه بجمع المال وتقديمه له من أجل استئناف نشاطه أو مزاولة حياته» ، أما مختار من حي النجمة فيقول : « من أهم أشكال التويزة التي كان أبي يشارك فيها، وأحاول بدوري المحافظة عليها لنقلها كعادة حميدة لأولادي، هي مشاركة الأقارب أيام الأفراح والأعياد أو مختلف المناسبات بعد ذبح الخرفان بجمع اللحوم و تقطيعها ووضعها في أكياس و توزيعها على العائلات الفقيرة» . مبالغ مالية لدعم العرسان وفيما يخص اسم « النّصيفة « فقد اقترن بالأعراس و الأفراح، وهي عادة مُتجذرة بأغلب أرياف الجزائر خاصة بولاية تيارت، أين يقوم المدعوون للفرح بتقديم مبلغ مالي حسب القدرة المادية لكل فرد، فمنهم من يقدم للعريس أو عروسته 500دج، ومنهم من يقدم أكثر إلى ما يصل المليون فما فوق ، يقول محمد من منطقة « السّوقر» : « عائلاتنا ترى أن « النصيفة « واجب مقدس، و لا يجب الاستغناء عنه كعادة متوارثة نقوم من خلالها بمساعدة العريس و عروسه في بناء عشهما العائلي، فيتمكن كلاهما من خلال ما جمعا من مال بشراء ما يحتاجانه أو يُسّددان ما عليهما من ديون ، وغالبا ما يُقدم لهما الأقارب مبالغا معتبرة فيما يشارك الجيران و الأصحاب بتقديم مبالغ كهدايا تختلف حسب القدرة المادية لكل فرد . نصب الخيم والتكفل بالضيوف لمساعدة أهل الميت و«المدِيرة « بكسر الدال وسُكُون الميم، هي عادة أخرى ترسم صورة أخرى من صور التكافل الاجتماعي بالمجتمع الجزائري تشتهر بها العديد من المناطق الريفية بأرض الوطن من بينها منطقة « عين دزاريت» بتيارت، حيث يهبُّ أرباب العائلات فور سماع خبر وفاة أحدهم بالمبادرة، فيعلن الأول أنه سيقوم بإعداد وجبة الغداء أو العشاء ليلة العزاء الأولى، ، ويقترح الثاني أنه سيتكفل بأعداد الوجبة المحددة ثاني يوم من أيام العزاء، و يختار آخر اليوم الثالث رافعين بذلك عناء مشقة الطبخ عن نساء الفقيد،و التكلفة المالية التي تقع على عاتق أهله الذين يكتفون بتلقي التعازي فقط ، و غالبا ما تكون الوجبة عبارة عن وجبة الكسكي بالخضر و لحم الخروف، و في بعض المرات تشارك عائلتين في إعداد الوليمة ، و منهم من يقوم بتقديم ما تم تحضيره من أطباق بمنزل الميت و منهم من يفتح منزله لاستقبال الضيوف الذين قدموا من مختلف المناطق لتقديم العزاء . يبدو أن عادة « المدِيرة « بتيارت وجدت لها مكانا وترحيبا بمنطقة حي الشهيد محمود ببلدية حاسي بونيف بوهران، في شكل آخر من أشكال التضامن الاجتماعي حتى صار يضرب المثل بأهل «دوار بوجمعة» في التراحم والتكاثف لمساندة أهل الميت، فالمعروف عن أهل هذه المنطقة، أنه يهبوا ليقفوا وقفة رجل واحد لمساعدة عائلة الميت فيتم جلب القيطون من المسجد على غرار مسجد « الإمام مسلم»، و نصبه بالقرب من منزل الميت لاستقبال مقدمي واجب العزاء ويقوم الرجال بشراء الكسكس والخضر و اللحم لتقوم بعد ذلك النساء من كل بيت بإعداد وجبة الغداء أو العشاء كوليمة يشارك فيها أغلب الجيران بشكل منتظم، إذ يتكفل كبار الحي بإعداد القائمة حتى يتم تفادي التبذير ، و عند منتصف النهار و الثانية بعد صلاة العشاء مباشرة يتوافد الجيران حاملين موائد الغداء أو العشاء ، و هو ما يعرف بفطور أو عشاء «الجنازة».