التسيير الحديث للدول والمؤسسات مبني على العلم والمعرفة والتخصص للتحكم في العمل وإتقانه والفاعلية والسرعة في الانجاز والإبداع وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة ولهذا تعمد الدول الحديثة والمتطورة إلى تكوين الإطارات والاستعانة بالخبراء والمستشارين والعلماء والمفكرين والباحثين في المراكز والجامعات للاستفادة من الدراسات والبحوث والأفكار التي يقومون بها أما في الدول المتخلفة فالحاكم يعرف يدعي معرفة كل شيء فيفرض رأيه على الجميع. وإذا نظرنا إلى الحكومات الجزائرية التي كثر عددها وقلت إنجازاتها وزادت أخطاؤها فإنها تفتقر لأصحاب العلم والكفاءة على مستوى الوزراء والرؤساء إلا في القليل النادر ولا تتخذ مستشارين لها من أساتذة الجامعات وتحارب الأفكار التي لا تتماشى مع قناعاتها كما حدث مع فكر مالك بن نبي الذي حورب وهمش والقليل من الوزراء والمسؤولين الذين ألفوا كتبا وتجد الوزير ينتقل من قطاع إلى قطاع وكأنه أوتي علم الدنيا كلها وبعد رحيله نكتشف الكوارث التي يخلفها وراءه. لقد اهتمت الجزائر مبكرا بتكوين إطارات الدولة فأنشأت المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1964 التي تخرجت منها حوالي 50 دفعة من المتصرفين الإداريين الذين يشتغلون في الإدارة العمومية وقد كان الدخول إليها بشهادة البكالوريا وحاليا بشهادة ليسانس والمسابقة وتستغرق الدراسة فيها ثلاث سنوات وهذا التكوين لا يؤهل صاحبه لمستوى علمي رفيع فهو تكوين مهني للتسيير الإداري وتوظيف المتخرجين من هذه المدرسة مضمون ولهم الأولوية في الترقية وتولي مناصب المسؤولية من رؤساء الدوائر والولاة إلى وزراء ومدراء وكتاب عامين رؤساء حكومات مما جعل التسيير عندنا يغلب عليه الطابع الإداري وإصدار القوانين المترجمة من الفرنسية. فحتى الاقتصاد لم يسلم منهم فجعلوا الإدارة تهيمن عليه وكذلك البنوك وغيرهما من المؤسسات مما كرس البيروقراطية والتخلف وحتى وزارة الاستشراف التي كان يشرف عليها الاقتصادي د.بشير مصيطفى ألغيت وكذلك وزارة التخطيط وأرغم أحمد بن بيتور وهو دكتور في الاقتصاد على الاستقالة من رئاسة الحكومة التي تداول عليها أويحيى وبلخادم وسلال وتبون من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة وفي غياب تام لأصحاب العلم والمعرفة الذين يضطرون إلى الهجرة أو يلتحقون بالجامعات لأنهم لا يجدون أماكن لهم في الادارات والمؤسسات العمومية التي تكتفي بتوظيف حاملي ليسانس والماستر فما دون ولا يوجد تصنيف لحاملي الدكتورة ولا يشترط المستوى العلمي في الترقية للمناصب العليا والبرلمان فالشرعية الثورية والمعرفة والخبرة والولاء والقرابة هي المعيار فهل يحدث التغيير المنتظر ويفسح المجال للعقول والكفاءة بدل البطون وأكياس المال المنهوب.