بيان أول نوفمبر 1954 المعنون ب ((نداء إلى الشعب الجزائري)) يعتبر أول وثيقة رسمية لثورة التحرير يوضح الهدف من قيامها الذي حدده في الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية 'واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني وهذه الفقرة من البيان تعتبر مرجعا في الأدبيات السياسية للثورة وكل التيارات تجد نفسها فيها وتستطيع تأويلها لصالحها لصياغة مشاريعها وبرامجها تستمد منه وجودها ومشروعيتها رغم أنه لا كل التفاصيل الخاصة بتأسيس الدولة فهو ليس برنامجا ولا مشروعا سياسيا ولهذا نجد الليبرالية تركز على كلمة الديمقراطية الواردة في البيان ودعاة الاشتراكية يوظفون كلمة اجتماعية والإسلاميون يركزون على عبارة (ضمن المبادئ الإسلامية). فكل طرف يجد نفسه ممثلا في بيان نوفمبر الذي أعد بذكاء ليستوعب جميع فئات المجتمع واعدا باحترام الحريات الأساسية دون تمييز عرقي وديني والحقيقة أن قيادة الثورة المتمثلة في جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني والحكومة المؤقتة كان تفكيرها منصبا على استرجاع الاستقلال بالدرجة الأولى وليس في شكل الدولة حتى مؤتمر طرابلس المنعقد في شهر جوان 1962 بليبيا الشقيقة أي بعد توقيع اتفاقيات أيفيان و توقيف إطلاق النار حيث تم إعداد برنامج طرابلس وتبني الاشتراكية كخيار لا رجعة فيه لأول مرة حسب تصريح رضا مالك. وقد عرف تطبيق الاشتراكية في عهد الرئيس أحمد بن بلة وسار على نهجه الرئيس هواري بومدين الذي طبق الثورة الزراعية وإنشاء القرى الزراعية والرعوية والطب المجاني والتعليم وتأميم الأراضي الفلاحية وتأميم المحروقات وكان حزب جبهة التحرير هو الواجهة لهذه السياسة الاشتراكية التي لم تكن مطروحة في الثورة خاصة في بيان نوفمبر وإنما كانت بفعل التأثر بالنظام المصري بقيادة عبد الناصر الذي كان يروج للاشتراكية العربية وكذلك بدول المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقا، بالإضافة إلى الصين وكوبا التي قدمت الدعم للثورة الجزائرية فأقامت الجزائر معها علاقات متنوعة ومازالت قائمة رغم تغير النظام الذي تخلى عن الاشتراكية بعد 1988 وانتقل إلى الديمقراطية بطريقة عرجاء ومشوهة وقاعدة 51على 49 الخاصة بالاستثمار الأجنبي تذكرنا بذلك العهد. ويبقى بيان أول نوفمبر قابلا للتطبيق لكل الاتجاهات السياسية ولا يحدد وجهة معينة وعلى الشعب الجزائري أن يصوت للحزب السياسي الذي يراه مناسبا ولكن بعد تصفية النظام القديم الذي بدأ جزائريا مستمدا أفكاره من المجتمع الجزائري وحضارته لكنه انقلب عليه مستوردا لأفكار غيره وكان الإخفاق مصيره.