لقد شغل ملف إصلاح العدالة حيزا معتبرا في جميع البرامج السياسية للرؤساء المتعاقبين على حكم الجزائر المستقلة , و ما من عهدة رئاسية إلا و اهتمت بدعم المنظومة القانونية لمحاربة كل أشكال الجريمة وضمان حقوق المواطنالفردية و الجماعية, المدنية منها والسياسية , و السهر على التكوين النوعي و بالعدد الكافي للقضاة و للأسلاك المساعدة للقضاء , و كذا عصرنة جهاز العدالة بمختلف مؤسساته القضائية الإدارية و العقابية . و هي الإصلاحات المتعاقبة , التي أثرت المنظومة القانونية بدساتير و تعديلاتها المختلفة و تشكيلة من القوانين العضوية و التشريعية الخاصة والعامة , المعززة للديمقراطية و المكرسة لدولة القانون , مما جعل بعض الحقوقيين يرون أنها تشكل «نقلة نوعية متميزة ترتقي بحقوق الإنسان إلى مصف المعايير الدولية»... خاصة و أن الجزائر كرست هذه الإصلاحات من خلال التوقيع و التصديق على كل المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و ملحقاتها المكرسة لحقوق الإنسان . و لم تكتف الجزائر بالانضمام إلى المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و الجهوية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان , و إنما دعمت ذلك بتكييف منظومتها القانونية مع مضمون هذه المواثيق , رغم أن المادة 150 في التعديل الدستوري الجديد تنص على أن «المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون», حيث عرفت البلاد عدة إصلاحات و خاصة منها مراجعة عدة قوانين أساسية ,كنظام الانتخابات , الإعلام , الأحزاب السياسية , الجمعيات , الولاية و البلدية , توسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة... و تواصلت هذه الإصلاحات التي شملت بعد ذلك عددا من القوانين الأساسية , كقانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية و قانون المحاماة و القانون التجاري و عصرنة العدالة و الحالة المدنية , و النشاط السمعي البصري و قانون حماية الطفل , و قانون ترقية الاستثمار , و قانون تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان .الذي جاء ليخلف اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها...كما حظي قانون الصفقات العمومية عدة تعديلات خلال السنوات الأخيرة للتوفيق بين مقتضيات المال العام و القضاء على الفساد من جهة و بين ضرورة تسهيل إجراءات الصفقات العمومية و تشجيع الاستثمار و مخططات التنمية من جهة أخرى . و هو تقييم قد يكون استهدف الشكل , لكن المضمون من المفروض أن يضمنه الإنسان سواء كان قاضيا أو متقاضيا أو وسيطا بينهما .لأن الإشكال الذي ظل مطروحا , هو استمرار الإحساس لدى المواطن بغياب العدالة رغم توفر كل مستلزماتها القانونية البشرية و المادية ؟ و هو الشعور الذي يفسر من جهة أخرى تكدس ملفات المتقاضين في مختلف المحاكم , لأن كل متقاض يصر على أن الحق معه حتى و إن جاء خصمه مفقوء العينين ؟ ربما لأن القضاء الجزائري هو قضاء وثائق «إتباعا لمثاله الفرنسي» لا قضاء حقائق , مثل القضاء الأمريكي , و لذا فإن الكثير من المتقاضين الأبرياء يدانون لغياب الوثيقة التي تبرؤ ساحتهم . يقول بعض الحقوقيين : أن القانون «أعمى» ويحتاج إلى عيني قاض مبصر وبصير ليطبقه تطبيقا سليما.» غير أن الحقوقيين لم يقولوا لنا شيئا عن الحالات التي يجتمع فيها عمى القانون بعمى القضاة و تزمت المتقاضين ,لأنها حالات خارجة عن مجال الحق و الحقوق بكل بساطة, و من العمى حصر الحق في الوثيقة. لم أتطرق إلى استقلالية القضاء , لأنها مكفولة قانونا , و تنتظر التفعيل , كي لا نمنح «صنفا من المحللين « فرص الاستمرار في إثارة حالات «ضغوط الهاتف « على القضاة , و لأنها حالات حتى و إن تعددت و لكنها مهما كثرت تظل ضئيلة مقارنة مع قضايا المواطنين العاديين , التي يمكن للقضاء أن يكرس استقلاليته و نزاهته من خلالها . و في كل الأحوال يظل خطأ مسؤول بالتدخل في شؤون القضاء , أهون من خطإ العدالة في الفصل في ملف قضائي ,رغم أن العدالة المجتهدة تبقى صاحبة الأجر في حال الصواب , و في حال الخطإ ,بنص الحديث الشريف .