الفساد متفش بشكل رهيب ، يكون الحَراك الشعبي قد أماط اللثام عن بعضه ، فمنذ الاستقلال لم تتحرّك الماكنة القضائية بهذا الشكل ، بمعنى أنّ ثمة عديد القضايا النائمة في الأدراج أو التي يعتقد أصحابها أنّها سقطت بالتقادم . التوق إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية تعتريه دوما متاريس لعلّ أكبرها الفساد الذي يعطّل كل المخارج المفضية إلى الحكم الراشد بمعناه الحقيقي و المبني على تقاسم الأداء في السياسة ، بين الشعب و السلطة بدل أن تبقى الحريات راكنة في مواد الدستور لا تعرف طريقا إلى التطبيق ، و تفضل الرقابة الحكومية تتبّعها في كل مكان و التضييق على النّاس. السيطرة التامة على كل الفساد أمر ليس بالهيّن ليبقى هذا الأخير في المجال السياسي تحديًا بعينه ، رغم السعي إلى وضع مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في صدارة الأولوية الوطنية ، ويعود ذلك في جزء منه إلى وجود أطراف متورطة في الفساد تبذل قصارى جهدها لإحباط هذه التدابير ، أو أنّها أصلا على رأس الحكومة و الجهاز التنفيذي بشكل العام في دوائر صناعة القرار ، وهي تتمتع للأسف بتأثير كبير على القادة السياسيين و مراكز اتخاذ ذات القرار ، و دائما نجدها تلين المواقف و القرارات لصالحها ابتغاء قضاء مصالحها التي لا تنتهي . تلك الأطراف شاء لها القدر أن يزاح الستار عن فضائحها في مجال المال و الأعمال و تبث تورّطها ما دفع العدالة إلى استدعائها للمحاكمة حيث تختلف التهم من ملف إلى آخر ، و لكن كل الملفات تجتمع في كونها ثقيلة و ألحقت الضرر الكبير باقتصاد البلاد و أفرغ أصحابها الخزينة العمومية بشكل لافت ، ناهيك عن التهريب و تحويل العملة إلى الخارج. هذا الوضع في بلاد يشعر فيه السكان بخيبة أمل، وحتى باشمئزاز من السياسة و عدم اتخاذ العدالة مجراها كما كان يحدث في السنوات الماضية حيث زاد نفوذ الفاسدين .تحرّك العدالة وضع الفاسدين المفسدين أمام اتهامات ثقيلة لتورطهم في تجاوزات مالية واستغلال الوظيفة و السلطة ، تحت طائلة الحصانة و هي الحصانة التي صارت هذه الأيّام تنزع عن المشبوهين تمهيدا لمساءلتهم و محاكمتهم و هي محاكمات تأتي في إطار محاولة تهدئة الرأي العام بعد هتافات الاحتجاجات الأخيرة و هيجان الشارع الجزائري الذي طفح كيله و وجد نفسه تلقائيا في الشارع للتعبير عن الرفض و المطالبة بالقصاص من المفسدين الذين أضاعوا عليه سنوات من الديمقراطية و الحياة الكريمة... و إن كانت الأنظار تتوجّه هذه الأيّام و بشكل غير مسبوق نحو نشاط العدالة الجزائرية التي وجدت نفسها أمام كم ضخم من الملفات المتعلقة بالفساد و هي ملفات تقتضي التروي و الحكمة في التعامل معها في انتظار الأحكام التي ستصدر عنها فإنّ المحاكمة التي لن تسقط بالتقادم و لن ينساها التاريخ هو الموقف الشعبي من رؤوس الفساد ، فالمحاكمة الشعبية ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية للجزائريين . ف. ش