سؤال الديمقراطية .. يعدّ منطلق التسيير السياسي و باقي شؤون الأمّة و هي نموذج الحكم الذي يجب أن يتّكأ على سند صحيح قوامه الشكل السياسي الذي تلعب فيه الأحزاب الدور الأهم إلى جانب السلطة. و رغم أنّ البناء الديمقراطي يرتبط واقعيا ب « إطلاق اليد « للأحزاب التي تعبّر عن مطالب الشعب بالإضافة إلى المنظمات الجماهيرية ، فقد لا حظنا في الحالة الجزائرية أنّ ما انجرّ عن أحداث أكتوبر و الدخول في التعدّدية أخذته الأحزاب و الطبقة السياسية عموما بمخاوف كبيرة من السلطة ، التي أحكمت القبضة بشكل لافت منذ استرجاع الاستقلال ، فظلت الأحزاب و رغم أنّها تبدو معارضة ، تدور دوما في فلك السلطة ، و بالتالي لم تخرج من تلك الشرنقة السياسية ، بمعنى أن المعارضة كانت دائما في صلب سياسية السلطة و نظام الحكم و لم تبرح الدائرة المغلقة . و بالتالي و رغم مرور زمن طويل لم ير الشعب أنّ في الحقل سياسي تغيّرا يقتضي المتابعة ، و بدل أن يعبّر المشهد السياسي عن واقع الأمّة و جد الشعب نفسه يقود انتفاضته كوجه من أوجه المطالبة بالتغيير و اعادة بعث العمل السياسي و الذي عليه ينطوي العمل في باقي الميادين. من هذا المنطلق يحيل الكلام عن إعادة بعث الحقل السياسي إلى الحديث أوّلا في ما إذا كان هناك حقل سياسي بالمعنى الواسع للمصطلح. الحقل السياسي ليس سلطة متفرّدة ركبت صهوة الحكم و فرضت نموذجا معيّنا ، لم يتم ولا مرّة مناقشة ما إذا كان يصلح للأمّة أو لا ، و ما إذا كانت هذه الأمّة تريده أو تقترح نموذجا آخر . الحقل السياسي نفَسه السلطة و الأحزاب، تناقش، تختلف، تقترح، تتباعد في الأفكار و لكن تلتقي في الاجتهاد من أجل تقديم الأفضل للأمّة و تحترم الإرادة الشعبية لأنّها مصدر وجودها و سلطتها، بدل التعثر في إقامة الديمقراطية ( و ليس تسييرها بعد ) . ترميم المشهد السياسي تسبقه معالجة التباين في الرؤية حول مضمون الخقل السياسي ، ما هي مكوّناته في الأساس ؟ من هم رواده ؟ كيف تكون القسمة بينهم ؟ هل من حدود فاصلة بين الصلاحيات الموكلة إلى كلّ طرف ؟ ما هو سقف العمّل و هل فعلا يوجد سقف ؟ و ما هي صيغة الوصول إلى ممارسة تعبّر فعلا عن الاختلاف دون الخِلاف في ما يخصّ الاختيارات الإستراتيجية التي لا تزال عقبة متواترة في تحقيق التوافق السياسي بشأن الأهداف . بناء الدولة يتجلّى في مشهد سياسي ينمي عن حقل سياسي متّزن قوامه معرفة الأفكار المراد الترويج لها وفقا لما يريده الشعب دون استنساخ تجارب خارجية لا تتماشى مع طبيعة و تكوين ذات الشعب الذي له خصوصيته .