محاربة الفساد.. قد تكون « منظومة « قائمة بذاتها نظرا لثقل مثل هكذا ملفات لما يقتضيه الموضوع من تفرّغ و اهتمام و إيجاد الوسيلة الكفيلة أوّلا بالوقوف على مواطنه ثم استجماع معطياته، و بالتالي تطويقه و المرور إلى توقيف المتهمين به و عرضهم على قضاء عادل و مدقّق في حيثيات الملفات و ممكِّن للمتهمين من جميع حقوقهم عملا بمبدأ : المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته ، طبقا للمبادئ الأساسية لحماية حقوق الإنسان ضمن قرينة البراءة و الذي مفاده أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. و لحماية هذا المبدأ فقد أقر المشرع الجزائري بعدم إلزام المتهم بتقديم ما يثبت براءته، و يقع عبء تقديم أدلة إدانته على النيابة العامة باعتبارها ممثلا للحق العام، كما أقر أيضا بتفسير الشك لصالح المتهم، و حقه في عدم الإدلاء بأي تصريح أمام قاضي التحقيق إلا بحضور دفاعه، و كذا الطعن في أمر إيداعه الحبس المؤقت . الآلية القانونية أكثر الأمور الواجب توفّرها من أجل محاربة الفساد في سبيل دحره و لو أنّ إقامة دولة خالية من الفساد بنسبة مائة بالمائة أمر تعجيزي، في كل البلدان و لكن هذا لا يجب أن يثنيّ من عزيمة جهاز العدالة لتحقيق النسبة الأكبر في تتبّع الفساد و المفسدين و ردع المخالفين و هي المهمّة الأكثر مسؤولية التي يجب على الدولة أن توفر ظروفها و شروطها و تمكن قطاع القضاء أن يكون الوجه الصحيح للعدالة في البلاد و بالتالي رأب الصدع في الثقة بين الدولة و الشعب و العودة بذات الثقة إلى أن تكون أساس البنيان من أجل استرجاع هيبة الدولة . و استرجاع هيبة الدولة يبدأ بعدالة منصفة و العدالة المنصفة يقوّيها القضاء المتوازن، الراسخ، المحتكِم إلى الشريعة و التشريع و هي أمور كلها تبنيها منظومة قانونية متطورة بدل العمل بقوانين مستوردة لم تعد صالحة للبيئة المحلية فمعلوم أنّ معظم المنظومة القانونية مستوحاة من القانون الفرنسي، و هي منظومة لا يتم العمل بها اليوم في معظم الدول لأنّها لا تستجيب للمستجدات بمعنى أنّ العدالة عندنا لا تزال في حاجة إلى تعميق الإصلاحات وفق مقتضيات الراهن الوطني ، بتحين القوانين و تفعيلها . كما يتحدث فقهاء القانون بالقول أنّ اصلاح المنظومة القضائية كجزء من اصلاح العدالة إنّما ينبغي له أن يكون بنظام أفقي و ليس عمودي كأن يتحكم من هو أعلى منصبا (وزير، رئيس حكومة، رئيس دولة ..) في القاضي و هذا خطأ فادح (...)