من يريد تأخير الحل يسنده إلى لجنة أو لجان , و من يريد تعطيله يقيده بالشروط المسبقة , و كلا الأمرين يعاني منهما الوضع السياسي في البلاد , من خلال لجنة الوساطة و الحوار , و من خلال الشروط المسبقة التي يزرعها البعض في طريق المسار الانتخابي الذي ينبغي أن يستقطب جهود جميع الجزائريين والجزائريات من ذوي النوايا الحسنة الذين يضعون مصلحة الجزائر فوق كل المصالح «الشخصية , الحزبية , الجهوية ...» وهي المصالح الضيقة التي تجلت في أبشع صورها في التعاليق السلبية و الانتقادات اللاذعة و المواقف المتشنجة من تشكيلة لجنة الوساطة والحوار حتى قبل أن تباشر مهامها , كما تجلت في الشروط المسبقة التي قيّد بها البعض صلاحيات هذه اللجنة , كشرط إقصاء أحزاب و شخصيات من المشاركة في الحوار , بل و المطالبة بحل أحزاب سياسية لتخلو لهم الساحة الانتخابية , و معها اشتراط إطلاق سراح «سجناء الرأي», كعربون ثقة و تهدئة , للبدء في أي حوار سياسي مع السلطة المؤقتة , التي أكدت حيادها و حياد المؤسسة العسكرية في الحوار الوطني الجامع ؟ إذا كنتم قد فهمتم ما فهمته , فلا شك أنكم تتساءلون كيف يقيِّد هؤلاء حوارا هم أطرافه, بشروط يتوقف تنفيذها على إرادة أطراف ألزموها و التزمت بالحياد ؟ ومن الشروط المسبقة للمشاركة في الحوار الوطني , إطلاق سراح سجناء الرأي ؟ و هو مطلب قديم دأب من يصفون أنفسهم «بالنشطاء الحقوقيين» على تدبيج تقاريرهم السنوية بفقرة تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين , و عن هؤلاء النشطاء تستنسخ بقية المنظمات غير الحكومية «هذا المطلب» بشكل دوري و سنوي عندما تتطرق لوضع حقوق الإنسان و الحريات السياسية في الجزائر . والفرق بين نشطائنا و بين المنظمات غير الحكومية , هو فرق في المفاهيم أي في تعريف «السجين السياسي أو سجين الرأي» و التعريف المتوافق عليه هو أن هذا الوصف يخص «شخصية موقوفة حالياً أو سابقاً بدون تهمة جنائية بسبب توجهاته وأفكاره السياسية أو الأيديولوجية المخالفة لتفكير الحزب أو الائتلاف الحاكم في دولة ما, لا تعترف بالقوانين الدولية التي تنص على حرية الفكر السياسي وإطلاق الحريات العامة». وعادة ما ترتبط حالات الاعتقال السياسي بالتوقيف و الحجز التعسفي «في قضايا بحيث لا يكون هناك أي دليل أو اشتباه بقيامهم بأي عمل يخالف القوانين النافذة المحلية أو لم تكن عملية الاحتجاز جزءا من العملية القانونية». أما تعريف نشطائنا الحقوقيين , فما زالوا يدرجون كل من أدانتهم العدالة الجزائرية في قضايا إرهابية , و في أعمال عنف و تخريب أملاك الغير و الأملاك العامة , و في جنح الإخلال بالنظام العام , و حمل سلاح محظور و الانتماء إلى جمعيات غير معتمدة ...يدرجونهم ضمن قائمة سجناء الرأي في الجزائر , هذا قبل الحراك , أما بعد الحراك فقد أضيف إلى القائمة, أسماء لا يعرف لهم الناس ماضيا و لا حاضرا في ممارسة النشاط السياسي ,و لكن الذي يرفعون مطلب , تسريح سجناء الرأي , يقصدون أشخاصا بعينهم , رفعت من أجلهم عرائض , و جمعت لهم التوقيعات , و نشرت رسائل مساندتهم والتضامن معهم,و من تبقى فهم مجرد رافعي رايات , قال عنها محاموهم أنها رايات ثقافية؟ فقيل لهم ما الذي حشرها في مسيرات و تظاهرات سياسية ؟ ومع ذلك , فإن حمل الرايات ليس هو سبب التوقيف , و إنما سببه أفعال يجرمها القانون العام , كحمل سلاح محظور, و إهانة هيئة نظامية وأعوان الأمن أثناء أداء مهامهم «هناك من رمى شرطيا من فوق عربة الأمن؟». وللعلم فإن جميع المحبوسين خلال مسيرات الحراك , صدرت في حقهم أحكام قضائية من طرف قضاة يطالب الحراك باستقلاليتهم من جهة , بينما يضغط على السلطة القائمة لإطلاق سراحهم. من جهة أخرى , كيف يبادر بعض رموز النظام السابق إلى التنازل عن حصانتهم البرلمانية, للمثول أمام القضاء المستقل , بينما يحاول رموز الحراك جعل المشاركة في الحراك أو الانتماء إليه أداة تحصنهم من المتابعات القضائية ؟ تساؤل آخر يفرض نفسه بخصوص مطلب تسريح معتقلي الرأي, يتعلق بصدور هذا المطلب عن المحامين بالدرجة الأولى والذين من المفروض أن يتولوا الدفاع عن موكليهم «سجناء الرأي» ,بمرافعات قانونية في جلسات المحاكم , لا بشعارات سياسوية ترفع في مسيرات, حولت قضية سجناء الرأي إلى مجرد و رقة للمساومة... .