السياسة المعاصرة مبنية على التخطيط والعمل والتنفيذ للمشاريع والوعود فهي مبنية على حقائق وارقام وافكار جديدة وخلاقة وتصورات واستشراف للمستقبل ومعرفة بالواقع المحلي والدولي والتوجهات الاقتصادية والصراعات الدولية والتنافس العلمي والمعرفي واكتساب النفوذ وحماية المصالح الوطنية ودعم المؤسسات الصناعية والتجارية لتحقيق المزيد من الانتاج والربح من نسبة الفوائد والارباح. فالشعارات تخفي الكثير من النوايا والمقاصد وليست كلاما فارغا لإغراء الجماهير وخداعها والكذب عليها فمصطلح العولمة مثلا هدفه الهيمنة الامريكية الاقتصادية والثقافية على العالم وفرض وجهة نظر وحيدة عليه فهي ضد التنوع والتعدد وكذلك نشر الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الانسان وحرية المرأة فكل شيء عندهم بحساب ولا مجال للارتجالية والعشوائية في العمل السياسي وهذا ما نفتقد اليه. فما زال الكلام المرتفع هو بضاعتنا المزجاة ولا نكاد نملك غيره والأسماء فقدت مدلولها فلا يوجد ربط بين الدال والمدلول كما يقول أهل اللغة فنحن دولة ديمقراطية شعبية منذ استرجاع الاستقلال سنة 1962 لكن دور الشعب انحصر في التصفيق والتصويت لمن يزكيهم الحزب الواحد ولم يتغير الامر كثيرا في زمن التعددية واصدار اول دستور ديمقراطي سنة 1989 بعد احداث اكتوبر 1988 وقد تحول اول عرس ديمقراطي الى مأتم ومأساة وطنية وعشرية سوداء دموية ورغم وجود احزاب سياسية معتمدة يقارب عددها الستين فالفائز هو الحزب الواحد المتمثل في جبهة التحرير وتوأمها التجمع الوطني الديمقراطي حيث يتبادلان الادوار ويتقاسمان مقاعد البرلمان والمجالس المنتخبة والمناصب الهامة في الدولة والمزايا والمنافع مع اشراك احزاب اخرى في الوليمة وبعضها في الفتات. وفي الاقتصاد ما زلنا ندر لبنا وعسلا صافيا ويوزع ريع النفط والغاز الطبيعي على زمر المحظوظين والمقربين من مشاريع وصفقات مربحة وعقارات وقروض واعفاءات ضريبية بينما تعاني اغلبية الشعب من الحواجز البيروقراطية وثقل الضرائب والرسوم والحرمان. فاقتصاد السوق عندنا خاص بفئة قليلة من المواطنين المحظوظين والامثلة كثيرة والخلل كبير وسيادة الشعب التي ينص عليها الدستور منزوعة منه لأنه «قاصر ومشاغب» لهذا يحتفظ بها الحاكم لوحده فهو الامين الصادق المخلص الذي يحمي الوطن والشعب وهو العارف بمصالحه وبما ينفعه ويضره وعندما يقول الحاكم أنه سيعطي الكلمة للشعب فهو يريد منه أن يبايعه مدى الحياة ويهتف باسمه، وحتى شعار من الشعب والى الشعب الموجود على مداخل الكثير من مؤسساتنا واداراتنا العمومية والمجالس الشعبية المنتخبة والخطب الموجهة الى الشعب مجرد كلمات فاقدة للمعنى وبدون تأثير وعلينا ان ننتبه ان عصر الشعارات الكبيرة والفارغة قد ولى وحل مكانه عصر العلم والمعرفة والعمل والانتاج والابداع والفكر والثقافة الراقية والاستجابة الواسعة لمطالب الشعب واشراك الكفاءات والقوى العاملة والنشيطة فالصح في الميدان وليس في اللسان.