أخيرا؛ قالت الهيئة الناخبة «الإيجابية» كلمتها الفصل , وشارك منها حوالي 10 ملايين ناخب و ناخبة في رئاسيات تم تعطيل إجرائها مرتين من طرف أقلية تنتحل دائما صفة «الأغلبية الصامتة» لفرض إرادتها على الشعب الجزائري برمته. إن المشاركين في الرئاسيات بأصواتهم المعبرعنها أو الملغاة ,حسموا الفوز من الجولة الأولى لصالح مرشح مستقل, ومنحوه الأغلبية المريحة التي تمكنه من مباشرة مهامه الرئاسية الصعبة, بكثير من الثقة, لأن ليس كل السياسيين حيثما كان موقعهم أو انتماؤهم ,يحضون بثقة حوالي 5 ملايين جزائري وجزائرية لقيادة مؤسسة الرئاسة خلال السنوات الخمس المقبلة . وما التخبط الذي عاشته الجزائر طيلة 10 أشهر إلا دليل على عجز الأطراف المتصارعة على الحكم في الجزائر عن التوافق لاختيار»رجل رشيد» يقود البلاد فيما يخدم العباد , لا فيما يخدم فئة على حساب فئات. وحتى يكون الرئيس المنتخب في مستوى المهام المنوطة به و قادرا على مواجهة التحديات التي تواجه الجزائر على أكثر من صعيد و في مقدمتها توفير أسباب الاستقرار السياسي الذي يتيح إخراج البلاد من أجواء الاحتقان و الاختلافات الإيديولوجية, نحو أجواء التوافق حول الحلول الأنسب لجميع الأطراف دون ضرر ولا ضرار, و لكن أيضا دون تفريط في القيم الروحية و الوطنية للشعب الجزائري؛ فإن الرئيس الثامن للجزائر المستقلة في حاجة ماسة إلى دعم ومساندة كل الشعب الجزائري من صوَّت عليه ومن صوَّت ضده أو من امتنع عن التصويت (بحكم العادة أو تكاسلا وتهاونا , أو لعدم المبالاة أو لانشغاله بأحد مشاغل الحياة...) أو غيرها من الأسباب, التي لا علاقة لها بالموقف السياسي , والتي لم تعد مقبولة في وقت أصبح الامتناع عن التصويت يستغل ضد البلد ومستقبله. دعم الغالبية وكنا نود إضافة من قاطع الانتخابات لأغراض إيديولوجية إلى فئة المساندين للرئيس المنتخب , و لكن لا نعتقد أن هذه الأمنية ستتجسد على أرض الواقع , مع فئة وجدت في الاحتجاج الدائم و المزمن وسيلة للتعبير عن وجودها و في نفس الوقت في انعزالها و تقوقعها حول مطالب غوغائية من الميئوس تبنيها من طرف غالبية الشعب الجزائري . بالتالي فإن دعم غالبية الجزائريين والجزائريات المقتنعين ببناء «جمهورية جديدة», للرئيس الجديد كاف لتمكينه من القيام بما عليه من أعباء داخلية , ومن التصدي من موقف قوة لمحاولات التدخل الخارجي في الشؤون الجزائرية, لفرض توجهات وسياسات معاكسة للخيارات الشعبية والوطنية. ولذا نأمل من الشعب الجزائري أن ينتفض انتفاضة شعبية هذه المرة, من خلال مشاركته القوية كل في مجاله , لتجسيد هذا المطلب الشعبي, وللرد على أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء عليه (بدون فوط), رغم أنه قد برهن لهم في أكثر من مناسبة عن رفضه لوصايتهم عليه مثل عدم تجاوبه مع الإضراب العام الذي دعوا إليه لعرقلة العملية الانتخابية , كما أنه تبرأ مما يطالبونه به من التنكر لأحد أهم حقوقه الدستورية, ألا وهو حقه في اختيار ممثليه في المؤسسات الدستورية المنتخبة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة , كما حاولوا ذلك دون ملل ولا حياء منذ ركوبهم موجة الحراك الشعبي ومحاولات اختراقه و جره إلى ما لا يحمد عقباه , لولا ميل الأغلبية إلى خيار المسار الانتخابي . ضرورة التماسك فغياب جبهة داخلية قوية و متماسكة يفسح المجال للأقليات المتطرفة لتطفو على سطح المشهد الحزبي والسياسي لتهدد الديمقراطية في جوهرها بفرض «التعيين» و«المحاصصة» في المناصب السياسية عبر مراحل انتقالية قد تتكرر أو تطول لأجل غير مسمى أو عبر الاستقواء بالجهات الأجنبية المتربصة والباحثة عن أي ذريعة لحشر أنفها في الشأن الداخلي. لقد أفشل الناخبون «الإجابيون» خطط أعداء البلاد الذين كانوا يراهنون بل «عملوا كل ما في وسعهم»من أجل إفشال هذا الموعد الانتخابي الهام الذي يدعم نجاحه أركان الجمهورية الجديدة الآمنة والقوية وخاصة سيدة قرارها , ويخرجها من دائرة المرحلة الانتقالية التي انهكت مواردها وفتحت خزائنها للانتهازيين الذين لا وطن لهم خارج مصالحهم الشخصية. لقد تطرقنا منذ أيام لأصناف الأشخاص بين القول والعمل , ومنهم فئة (يوصفون عادة «بجنود الخفاء», هؤلاء لا تسمع لهم صوتا ولا جرسا, ويتركون أعمالهم و بصماتهم في جميع المواقع التي مروا بها لتُحدِّث عن أخبارهم, لا ينتظرون من أحد جزاء ولا شكورا, ويعتبرون عملهم واجبا يتقاضون من أجل القيام به أجرا قل أو كثر, ولا يحتاجون إلى من يتولى الإشهار له إن كان متقنا, والتشهير به إن كان دون ذلك , وهؤلاء رغم قلتهم في بعض المجتمعات إلا أن وجودهم يحول دون إفلاس بعض الدول , وانهيار أخرى)...و نأمل أن يكون الناخبون قد وفقوا إلى انتخاب مرشح من هذا الصنف .