"عمارة زهيرة" فتاة في ريعان شبابها من بلدية تيغاليمت جنوب ولاية سيدي بلعباس مثال حقيقي و حي يثبت مقولة ان "الإعاقة لا مكان لها مع الإرادة" ، فكم من سليم الجسد لا يملك إرادة و لا حس التحدي و لا هدف له في الحياة فيصبح عالة على المجتمع ، و على عكسه قد يكون الشخص معاقا و لكن يملك إرادة التحدي و حب الحياة تجعل منه مفيدا في مجتمعه و الأمثلة كثيرا في شخصيات كبرى كان لها دورا كبيرا في العالم رغم إعاقتها. وزهيرة ذات الشخصية القوية التي لم تستسلم للفشل وتحدت كل الظروف المحيطة بإعاقتها بعدما شاءت الأقدار أن تفقد بصرها بسبب خطأ طبي حينما كانت طالبة في الجامعة ، فكان يفترض من هذا الحادث أن يعيق حياتها و يجعل منها عبئا على عائلتها و مجتمعها ولكن زهيرة لم تبق مكتوفة الأيدي، بل تحدت المرض و الإعاقة لأنها تملك إرادة فولاذية و عزيمة لإكمال هدفها في الحياة لأنها مؤمنة بنفسها وبقدراتها العالية التي لم تستطع الاعاقة الحد منها أو انقاصها. فواصلت زهيرة دراستها الجامعية بكل جد وتفان متحملة صعابا جمة تتعلق بطريقة تحصيلها العلمي و مدى صعوبة ذلك والتي تختلف عن الشخص العادي،أضف إلى ذلك أن زهيرة تقطن بمنطقة نائية بجنوب ولاية سيدي بلعباس والتي تعد من مناطق الظل التي تغيب فيها كل المرافق الضرورية مما يجعل فيها الحياة صعبة حتى على الأصحاء فما بالنا بذوي الاحتياجات الخاصة،فكانت زهيرة تقطع عشرات الكيلومترات لتصل إلى الجامعة من أجل مزاولة دراستها الجامعية ولنا ان نتخيل مدى صعوبة ذلك خاصة وأنها كانت تحرص على حضور جميع محاضراتها وفي جميع المقاييس والمواد لأن طريقة تلقيها للدروس كانت تفرض عليها ذلك لأنها كانت تستعمل طريق التلقي عن طريق السمع وتعتمد في الحفظ على تسجيل القاء الأستاذ في المحاضرة عن طريق الهاتف. ورغم تعقيدات عمليات الفهم و حفظ الدروس فإن ذلك لم يمنع زهيرة من الحصول على شهادة الليسانس في تخصص الادب سنة 2014 بتقدير "ممتاز" وهو ما زاد من همة زهيرة التي لم تتوقف عند هذا الحد بل واصلت في ترقية مستواها العلمي وسجلت نفسها في الماستر سنة 2015 وتخصصت في علم الدلالة وتحليل الخطاب وبعد جد وكد طيلة سنتين تحصلت على شهادة الماستر بتقدير جيد جدا بعدما ناقشت مذكرة التخرج بعنوان "المستوى المعجمي السياقي لسورة ياسين"،وقد نالت زهيرة ثناء أعضاء لجنة المناقشة الذين نوهوا بالمستوى العلمي للمذكرة خاصة وأن معدتها هي مكفوفة ولكن لم يمنعها ذلك من البحث العلمي وجمع المراجع من كتب ومقالات والقيام بإعدادها وفقا لمنهج علمي محكم قد يصعب حتى على سليم الجسد من ضبطه والتحكم فيه. تحدي زهيرة لم يقف عند هذا الحد بل جعلت لنفسها دورا ايجابيا في المجتمع ام بنشاطات مكثفة وعملية ،فتفرغت بعد اتمام دراستها الجامعية للنشاط الجمعوي و خاضت هذه التجربة بكل نجاح ووضعت ولازالت تضع بصمة متميزة و مساهمات علمية دعمت بها سيرتها الذاتية ومسارها العلمي،فنشطت عدة محاضرات بعدما التحقت بجمعية الأمير عبد القادر بسيدي بلعباس كما شاركت في عدة ايام دراسية ابرزها اليوم الدراسي الذي انتظم سنة 2018 بمناسبة اليوم العالمي للكاتب الافريقي حيث تم تكريمها من طرف عميد كلية الأدب آنذاك وذلك بحضور دكاترة و اساتذة و اكاديميين و اعلاميين،هذا وكلفتها الجمعية بتسيير مكتب البراي والذي من خلاله قدمت عدة محاضرات تتعلق بانشغالات المكفوفين ومطالبهم وتسليط الضوء على معاناتهم اليومية في مختلف مجالات الحياة . وحاليا تنشط زهيرة في جمعية العلماء المسلمين فرع سيدي بلعباس بلدية تيغاليمات ، حيث تقوم بتدريس القرآن الكريم بأحكام القراءة و التجويد ورش في المدرسة القرآنية التابعة للجمعية حيث تقوم من خلال ذلك بتنظيم حلقات لتحفيظ القرآن الكريم بحكم تكوينها واهتمامها بالدراسات اللغوية القرآنية. ولأن زهيرة تملك شخصية مليئة بالأمل والحياة والتحدي فإنها رفعت تحديا آخرا يستهدف مرضها مباشرة من خلال تكثيفها للاتصالات مع أطباء في الخارج والداخل وتمكنت من الحصول على تقارير تؤكد امكانية شفائها واسترجاعها لبصرها وهو ما تحلم به زهيرة التي تواصلت مع مستشفى خاص معروف في اسبانيا،وهي تنتظر الرد من أجل مباشرة اجراءات الحصول على تأشيرة السفر و اجراء العملية الجراحية على أمل الشفاء و الابصار .