يؤكد الفقهاء على اختلاف مذاهبهم أنه "لا اجتهاد في وجود نص", وهي قاعدة فقهية لكنها متعدية إلى بقية المجالات الإنسانية, ومنها مجال تنظيم التبرعات الموجهة لمكافحة كورونا الذي أصبح يخضع لتعليمة صدرت عن الوزير الأول عبد العزيز جراد منذ حوالي أسبوع وموجهة "إلى أعضاء الحكومة والولاة لحملهم على توفير الظروف المثلى لتأطير وتسيير التبرعات المتأتية من الهبة التضامنية المعبر عنها من قبل الخواص والمتعاملين الاقتصاديين سواء داخل البلاد أو خارجها في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تفشي وباء كورونا". ولا شك أن مثل هذه التعليمات ضرورية في الظرف الراهن لضمان الاستغلال الأمثل للجهود الوطنية في التصدي للوباء العالمي, سواء من حيث التحكم في توزيعها حسب الحاجة المعبر عنها من مختلف القطاعات المعنية بهذه المعركة التي لا مفر من كسبها وفي أقصر الآجال الممكنة, أو من حيث الاستغلال الأمثل لكل التبرعات بعيدا عن التبذير أو التقتير, أو من حيث طريقة التوزيع حيث لاحظ نص بيان الوزير الأول في هذا الصدد "أن توزيع التبرعات العينية يعكس أحيانا صورا تمس بكرامة المواطنين المعوزين من خلال تشكيل تجمعات فوضوية بقدر ما تشكل خطرا على الصحة... حيث, تم الإيعاز إلى الولاة لحملهم على تحسيس السلطات المحلية وكذا السلسلة التضامنية المعنية كلها بغرض حظر هذا النوع من الممارسات". وبالتالي فإن المسؤولين المحليين مطالَبون في جميع الحالات باعتماد "طريقة التوزيع المباشر على مستوى أماكن إقامة الأسر المستهدفة" وكذا إلى "وضع حد للترويج الإعلامي لعمليات توزيع المواد". وذلك من "أجل تفادي أي شكل من أشكال وصم الأشخاص والأسر ولاسيما الأطفال الذين يعانون وضعية اجتماعية هشة". وأيا كانت الاعتبارات التي أملت هذا التوجه في تنظيم نشاط التضامن الوطني, سيظل هذا القطاع محل تجاذبات بين السلطات العمومية التي تحاول التحكم في كل شاردة (منه) وواردة (إليه), وبين شريحة من المجتمع المدني, الذي يدعو إلى أن تنفض الدولة يديها من هذا النشاط كلية لتتيح لهيئات المجتمع المدني للتكفل به تأطيرا وتنظيما وتسييرا على أن تقتصر مهام الدولة على المراقبة والمحاسبة وكذا المعاقبة إن اقتضت الضرورة, وذلك لوجود شريحة واسعة من المحسنين والمتبرعين الذي يفضلون توزيع إعاناتهم للمحتاجين مباشرة أو عبر جمعيات خيرية لأن ذلك أدعى لاطمئنان القلب في اعتقادهم ... و لذلك يظل ملف التضامن في حاجة إلى مراجعة جذرية لجعله في خدمة الوطن والمواطن, فجدوى التضامن في خدمة الناس بغض النظر عن مناصبهم أو مكانتهم الاجتماعية أو انتماءاتهم السياسية وفي جميع الأوقات, والجدوى المقصودة لن تتأتى إلا إذا تجاوزت جميع الأطراف "مانحون ومستفيدون" كل أشكال الخلفيات "الانتهازية" أو "الإشهارية", إلى مجال التضامن و التكافل الاجتماعي بمفهومهما الواسعين, وذلك من خلال استغلال كل مناسبة وطنية أو عالمية أو دينية أو اجتماعية أو أي حادث طارئ , لتقديم أنفع الخدمات الممكنة للمواطن المحتاج, ومن خلاله للوطن أجمع.