لقد نوه رئيس الجمهورية في رسالته إلى الأمة بمناسبة حلول شهر رمضان "بالهبة الوطنية للتضامن والتكافل التي يتميز بها شعبنا في المراحل الحاسمة من تاريخه"، ملاحظا أن هذه الهبة "تمنحنا الفرصة لتحويل المعاناة إلى محفز لانطلاقة جديدة، بنفس جديد وتفكير جديد يحدث القطيعة مع الممارسات البالية التي عطلت تفجير القدرات الإبداعية الكامنة في الشباب، وانحرفت بها من مسار التعمير إلى مسار اليأس وفقدان الأمل في المستقبل". مضيفا في نفس السياق أنه" ليس هناك أدنى شك في أن هذه الثروة البشرية التي تتعزز سنويا بمئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، هي التي تعول عليها بلادنا في بِناء النموذج الاقتصادي الجديد الذي يوفر الثروة، ويخلق مناصب الشغل، ويحصن استقلالنا الاقتصادي بالتحرر من تقلبات أسعار المحروقات في الأسواق العالمية. مذكرا بالمناسبة :"بأن الأوطان لا تبنى إلا بالأخلاق والعلم والعمل". [ بالعلم و العمل تشيد الأوطان ] و لاستغلال هذه الثروة البشرية "المعطلة بالبطالة الفعلية أو التقنية " لا بد من آليات تضع حدا "للتفكير الريعي" الذي حوّل "فيروس الدعم" إلى بئر بلا قاع تبتلع إيرادات البلاد و تنتظر المزيد , في شكل آلاف الصناديق , و مئات الآلاف من المقترضين , الذين لا يتعمدون عدم تسديد ما اقترضوه فحسب , و إنما ينتظرون, و منهم من يطالبون بمسح الديون المترتبة عليهم .و يمكن ذكر قائمة طويلة من الجزائريين الذين تعودوا الاستنجاد بصناديق الدولة لتمويل استثماراتهم , فيساهمون في إفراغها لكنهم يتجنبون إعادة ملئها, و اسألوا عن ذلك مسؤولي البنوك الجزائرية حول حجم القروض الممنوحة للمستثمرين دون أمل في استرجاعها بدليل ملفات وقضايا الفساد المعروضة حاليا على القضاء. و من ذلك نسبة من حوالي 3 ملايير دولار استغلت لإنشاء أكثر من 350 ألف مؤسسة في إطار جهاز تشغيل الشباب . [ ملايير خارج الصناديق ] و نفس الأمر ينطبق على المؤسسات الممولة من صندوق التأمين على البطالة , صندوق القرض المصغر , و صناديق الدعم الفلاحي , و صناديق دعم الاستثمار,و صناديق دعم السكن, و غيرها كثير, بحيث تم إنشاء صناديق لضمان القروض التي تمنحها هذه الصناديق . و ليست هذه الصناديق وحدها هي التي تعاني من قلة وفاء المدينين , و إنما هناك العديد من صناديق المؤسسات و الهيئات العمومية التي ترزح تحت عبء العجز المالي , بسبب تماطل المواطنين في تسديد الديون المترتبة عليهم , و يمكن العودة إلى أرشيف الصحافة الوطنية لمراجعة حجم هذه الديون التي تعد بعشرات الملايير التي لم تدخل صناديق دواوين الترقية العقارية و سونالغاز و الجزائرية للمياه و اتصالات الجزائر و صندوق الضمان الاجتماعي بشقيه . [ أخلقة تسير المال العام ] و إذا أضفنا إلى ذلك التهرب الجبائي , الذي جعل مساهمة الجباية العادية خارج المحروقات في الدخل الإجمالي الخام , دون 7% , و جعل وزير مالية سابق يعترف أن 99% من الجباية تأتي من 12 ولاية فقط ؟ و إذا اعترفنا كذلك , أن معظم الخدمات "المكلِّفة ماليا" تقدم للمواطن مجانا أو بثمن بخس , أدركنا أن الجزائر لا تعاني فقط من مشكل كيفية إعادة ملء الصناديق الفارغة , و لكن بشكل أخص من مشكل أخلقة تسير المال العام ,و من سوء استغلال الطاقات العلمية ,و من توفير مناخ يقدر العمل المنتج حق قدره , و من غياب استراتيجية تقلص من حجم العمل غير المنتج , و تقنع أصحابه ,بأن سماء الجزائر لا تمطر ذهبا و لا فضة , و أن أرضها لا تنبت لؤلؤا و ماسا ؛و لكم أن تتساءلوا معنا عن عدد المشاريع الاستثمارية التي مولتها وكالة "أنساج" , في غياب استراتيجية منسجمة, تثمن هذا المجهود المالي , وتوظفه ليس فقط في إنشاء مناصب عمل و تقليص نسبة البطالة , و إنما في وضع أرضية لنسيج صناعي عماده مؤسسات مصغرة تكمل بعضها بعضا , و عندئذ يمكن الحديث عن الانفتاح الاقتصادي و الاندماج الصناعي اللذين يتطلبهما بناء الجزائر الجديدة.