واصلت قنوات فرنسية عرض فيلم «ألجيري مون أمور» أو «الجزائر حبيبتي» لمخرجه مصطفى كسوس، بعد الجدل الواسع الذي أثاره على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل أغلبية الجزائريين ممن شاهدوه، وقد برر بعض المتحفظين برأيهم حيال هذا العمل، موجة الغضب هذه، أن الفيلم موجه بالأساس إلى الجمهور الفرنسي، لكن كيف يمكن أن نقبل بهذا الطرح ونحدد هوية المتلقي في عصر الانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل وسائل الاتصال الجديدة ؟ التي باتت تضمن انتشار الخبر والصورة إلى آخر نقطة على وجه الأرض، وعليه فإن هذه الفرضية واهية، ما دامت المادة الإعلامية موجه لكل متلقي، ومستهلكة من قبل أي كان في هذا العالم، بغض النظر عن موقعه الجغرافي، بدليل أن ما حدث هو العكس، حيث أن الفيلم حظي بمشاهدة الجزائريين أكثر من الفرنسيين أنفسهم، بل أن الجدل الذي أثاره رفع نسبة مشاهدته. نظرة أحادية إن ما أثار حفيظة الجزائريين والحراكيين تحديدا، هو أن الفيلم لم يعكس صورتهم الحقيقية، ولم يف الثورة السلمية حقها، حيث اهتم بالحريات الشخصية لنماذج معينة من الشباب، تكاد تكون متشابهة في الأفكار والتحاليل وحتى الأحلام، بحكم تقاربها في السن، إذ لم نسمع أصواتا أخرى لمن عايشوا ثورة التحرير ومرحلة الاستقلال ولا من كانوا شاهدا على العشرية السوداء، باعتبار أن هذه المراحل المهمة من تاريخ بلادنا تطرق إليها المخرج، الذي اجتهد في تقزيم الحراك والانقاص من قيمته ووزنه وحجمه، وهي ربما الفكرة التي دفعت قناة «فرانس 5 « لإنتاج شريط حول الحراك الشعبي الذي أسقط العهدة الخامسة لبوتفليقة، بعد 20 سنة من الحكم، وأطاح بعدد كبير من رؤوس الفساد، من وزراء وشخصيات سياسية نافذة ورجال المال المنهوب، القابعة اليوم في زنزانات السجون...كل هذه الانجازات المهمة والكبيرة اختزلت في صورة صغيرة للمشاهد، تتلخص في طموحات 5 شباب، وربما هذا الرقم، الذي انتفض عليه الشارع بكل سلمية وبطريقة حضارية، له رمزية أخرى في هذا العمل.
على هامش الحقيقة لقد تعمد المخرج مجانبة الواقع والحقيقة والمطالب المهمة التي خرج من أجلها ملايين الجزائريين، داخل وخارج الوطن، على اختلاف أعمارهم وتوجهاتهم السياسية والدينية والعرقية والثقافية والفكرية، التي توحدت في حراك 22 فبراير وصنعت قوته، وصدحت بصوت واحد مطالبة بالتغيير الجذري وإحداث القطيعة مع نظام الفساد وكل رموزه، وإرساء الديمقراطية الحقة ودولة العدل والقانون، هذا الحراك الشعبي الذي جعل الجزائري لا يفكر في نفسه وينسى مشاكله الشخصية، حيث انصهر في الحراك وأصبح يفكر بمنطق الجماعة وفي مصلحة الوطن قبل كل شيء. من الطبيعي أن يثور من كسروا حاجز الخوف والترهيب في زمن اخترقت فيه الدكتاتورية و«الترفعين» السقف، ولم يبالوا بسوط الفساد وغطرسته، على عيّنات تبحث عن قبلات أمام الملأ، أو شرب الكحول علنا، أو إقامة علاقة خارج اطار الزواج، في حين فإن الحراك الشعبي ثار من أجل العيش في سلام وطمأنينة وحرية بمفهومها الشامل وليس الضيّق، وكرامة وأن تحترم سيادته التي خولها له الدستور، جزائر خالية من الفساد بكل أنواعه وأشكاله وألوانه، السياسي والاداري والاجتماعي، وخالية من البيروقراطية ومن المحسوبية والرشوة والحقرة المكرسة بكل أبعادها. حب الوطن وحب الهروب إن النماذج التي سلط عليها المخرج الضوء في شريطه هذا، وقد اختارها بعناية بما يخدم أفكاره وأهدافه طبعا، من خلال الصورة السلبية التي أراد تسويقها عن الحراك الشعبي ... تمثل الأقلية القليلة من المتمردين على الطابع المحافظ للمجتمع الجزائري، وهم أحرار في ذلك ولا يمثلون إلا أنفسهم، بل ولا يمكن القياس عليها لسبب بسيط، هو أن من خرجوا في المسيرات الشعبية لا يفكرون في مغادرة الوطن مثلهم، بل خرجوا من أجل انقاذ وطنهم من أيادي الفساد التي عبثت به لسنوات طويلة، وكادت أن تعصف بكيان الدولة ومؤسساتها بعد أن حطمتها وبددت ريعها، من خرجوا إلى الشارع يريدون العيش في الجزائر الجديدة التي يؤمنون بها ويحلمون بها منذ زمن بعيد، ولا يرون وطنا بديلا لها، وهنا يكمن الاختلاف بين هؤلاء وأولئك، فعن أي حب يتحدث مصطفى كسوس في فيلمه «ألجيري مون أمور» ما دام هؤلاء الشباب يبحثون عن وطن آخر يحضنهم ؟ أصوات خارج مجال التغطية يرى بعض أشباه «الفلاسفة» والباحثون في علم «الغبّار» والهوا والريح، أن هؤلاء الشباب كسروا طابوهات !! يبدو أنها تشبههم تماما...كما يعلم الجميع، لم ترد مطالب ذات صلة بالحريات الشخصية، التي نادت بها النماذج التي ركز عليها المخرج في فيلمه، في أي شعار ولا لافتة ولا هتافة في الحراك عبر ربوع الوطن، على مدار أزيد من سنة، ولا حتى في المسيرات التي شهدتها كبريات العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية، وعليه فإن التطرق إلى هذا الموضوع، ليس له أي حيز في الحراك الشعبي، والحديث عنه في هذا الفيلم يعتبرا خروجا عن النص وحشوا وتضليلا للرأي العام، فلكل مقام مقال...نتفهم جيدا حساسيتكم المفرطة حيال هذا الموضوع، لكن «سوري» أنتم هنا خارج مجال التغطية !!