لقد قلنا مرارا أن اللغة ليست مجرد أصوات منطوقة أو رموزا مخطوطة ,و إنما هي وعاء لفكر الناطقين بها , يتوارثونه جيلا عن جيل , و لكل جيل نصيبه من المسؤولية ليس في الحفاظ عليه و لكن في إثرائه بما يواكب تطور الحضارة الإنسانية. كما قلنا و كتبنا منذ حوالي 5 سنوات , بأن الغرب مريض بعنصريته , و العلاج لا يقتصر على إصلاحات شكلية للأنظمة البوليسية , بل لا بد أن يشمل المنظومة الفكرية الغربية برمتها , إذ كل النظريات العنصرية هي نتاج "الفكر الغربي" و هو فكر تترجمه تعكسه لغات الغرب , و قد ذكرنا فيما سبق بعض الأمثلة عن هذه العنصرية المتجذرة لدى الغربيين , بدليل أنه ما إن تذكر كلمة "عنصرية" بأي لغة من لغاتهم ,إلا و تبادر إلى ذهنهم "عرق" من أعراق البشرية , و في مقدمتها ذوو البشرة السوداء؟ رغم أن عنصريتهم عبر العصور لم تستثن أي عرق من أي لون كان؟ و قد أدرجنا من قبل أمثلة عما تحمله اللغات الغربية من فكر يحط من شأن بقية الأعراق و الأجناس بما يمكن اعتباره مقدمة لمعجم للمعاني يصلح لفهم نظرة الغرب إلى بقية العالم , و هي مقدمة اقتصرت على بعض العبارات الشائعة الاستعمال , اجتهد أحد الأفارقة في جمعها بدءا من كلمة الحرب , التي تصبح عندما يخوضونها هم , أي الغربيون , "حربا عالمية", و غيرها مجرد نزاعات و حروب أهلية أو إقليمية أو قبلية . كما يسمون تحالفهم تحالفا دوليا ,و لو اقتصر على دول معدودة , بينما يختصرون تحالف الآخرين في جنسية واحدة كالتحالف العربي حتى و إن ضم دولا غير عربية . لقد أقاموا بالقوة في أمريكا و أستراليا و كندا و إفريقيا و سموا سكانها الأصليين "الأنديجان "و "المتوحشين " الذين أصبحوا بعد ذلك مهاجرين و لاجئين عندما ينشدون الإقامة في الغرب بل هم مجرد أشخاص بدون وثائق أو مهاجرين سريين . بينما يظل الغربيون المقيمون خارج العالم الغربي , مواطنين خارج الوطن .عندما يواجهون المحتل فهم يدافعون عن النفس و هم مقاومون , و عندما يفعل الآخرون نفس الشيء فهم إرهابيون .عندما تضع نساؤهم الخمار فهن قديسات راهبات , و عندما يضعنه نساء الآخرين فهن مقموعات مرغمات . و بشكل عام فلو أن عبقريا ابتكر"غربالا إلكترونيا" لتنقية اللغات الغربية من كل الكلملت التي تتضمن "رائحة" العنصرية , لما بقي للغربيين ما يكفي من ألفاظ للتعبير عن المعاني السامية التي خلق من أجلها الإنسان.