رحلت منذ أيام ليلى فرحات عميدة الفنانين التشكيلين الجزائريين، عن عمر ناهز 81 سنة ، رحلت عن العالم وعن ألوانها و ريشتها بعدما عانت كثيرا من مرض الزهايمر، حيث وري جثمانها الثرى عصر الثلاثاء بمقبرة عين البيضاءبوهران. جمعتني بالفقيدة ليلي فرحات الكثير من اللقاءات الإعلامية لكن كانت أحلي ذكرى بقيت راسخة في وجداني عندما لقبتها بأم الألوان ذات شتاء و نحن نسافر في وفد نسائي من وهران الى العاصمة و بعدها عبر الحافلات الى مدينة بسكرة في حافلات وزارة الثقافة لحضور الملتقى الدولي للأدب النسوي في سنة 2006 التي كانت محافظته الشاعرة والروائية الصديقة ربيعة جلطي. ولاحظت شغفها الكبير بالطبيعة، كانت ترسم مجسمات للطبيعة التي كانت تغيير بتغير عدد الكيلومترات و نجن نسير من الشمال باتجاه صحاري بسكرة، ندخل مدينة و نخرج منها، وهي جالسة على الكرسي الأخير من الحافلة، حاملة معها قلمها الرصاصي وأوراقها البيضاء، اقتربت منها سألتها ماذا تفعل أم الألوان ... ؟، ابتسمت و قد أصبحت ابتسامتها مع تقدم العمر سمة أساسية من سمات ملامح وجهها البشوش ، ثم أرتني مجسماتها، قائلة لي : «أني أرسم هذه المناظر الخلابة ، الجزائر جميلة، و حتى تبقى في ذاكرتي و أحولها بعد ذلك الى لوحات فنية تعكس جمالية هذه الرحلة الجميلة في بلادي.» و اكتشفت أنها تحول كل ما تراه الى ألوان ، بتميز واضح وبحس فنانة متمرسة تأخذ الموضوع من أطرافه، ثم تضعه في لوحة فنية جميلة، وقد حولته إلى تشابك أشكال، وظلال ، ولغة جديدة يفهمها فقط من كان عاشقا للألوان .كانت ليلى فرحات فنانة تبدع منذ عشرات السنين في صمت وتنطق في لوحاتها الرائعة عبر الألوان والأشكال، فلقد تخرجت ليلي من المدرسة الوطنية للهندسة والفنون الجميلة بوهران سنة 1969، ثم التحقت بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، و تخرجت منها سنة 1971، وكانت أعمالها متميزة جدا حيث تحصلا على العديد من الجوائز ممثلة الجزائر في العديد من المحافل الدولية منها الجائزة الأولى لمدينة الجزائر العاصمة سنة 1977، ثم نالت الميدالية الذهبية في مدينة ريوم بفرنسا سنة 1980، وثانية في «بي فالي» بفرنسا ،كما عرضت لوحاتها في كثير من دول العالم منها فرنسا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، كندا والإمارات العربية المتحدة، الأردن وغيرها من البلدان حيث نالت إعجاب كثير من نقاد الفن التشكيلي والجمهور المتذوق لأعمالها الفنية التي تمزج فيها بين الأصالة و المعاصرة ويغلب عليها اللون الأزرق السماوي الذي يرمز إلى السكينة و الطمأنينة. اشتغلت ليلى فرحات كثيرا على التراث، و قدمته في أبهى و أجمل صورة، كما أنها تعد فنانة ملتزمة حيال الكثير من القضايا العادلة، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها، و التي شكلت موضوعا هاما في رسوماتها التي أبدعت في التعبير عنها بحسها العالي و موهبتها و أسلوبها المتميز، حيث نجد أغلب هذه اللوحات متواجدة خارج الوطن. كان زوجها المحامي والمناضل أمحمد فرحات، من أبرز رجالات و رموز الجزائر ، حيث كان المرحوم الذي اغتالته يد الغدر والإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي، محاميا بمجلس قضاء وهران، فلقد كان سندا لها و لموهبتها و لا غرابة أن زوجته ليلي قد ورثت منه صبغات حب العدل و الدفاع عن الناس و القضايا العادلة من خلال فنها التشكيلي الذي سيبقى نبراسا ينير درب الأجيال الصاعدة من الفنانين الشباب. لقد امتزجت مسيرة المرحومة ليلي بمرافعات زوجها و اخرجوا لنا سيمفونية نضالية حقوقية قوامها حب الجزائر وشعبها و الإنسانية نصرة لمثل السلم و العدل و الحرية في العالم. وتعتبر فقيدة الفن التشكيلي ليلي فرحات التي اشتغلت كثيرا على التراث الجزائري و تتلمذ على يدها الكثير من الرسامين، مدرسة قائمة بذاتها في الفن التشكيلي الجزائري و ستبقى أعمالها خالدة كخلود الفن العالمي .