على الرغم من مرور ما يقارب العشر سنوات على ما اعتبر شرارة الربيع العربي فلا تزال ترمي بظلالها على اليومي العربي عموما، بل تشكل مادة إلهام الكثيرين، وهو حال التونسية "هالة فقي" مع أولى أعمالها الأدبية، التي صدرت منذ أسابيع قليلة عن دار "لاتاس" ب «فرنسا". "Les noces de jasmin " أو "أعراس الياسمين" هو محاولةأدبية متجددة لقراءة التجربة التونسية في التغيير كما تخبرنا كاتبتها التي تبدو مسكونة بروح "ثورة الياسمين" عاجزة أن تتجاوز هذا الحدث المفصلي دون أن تحفظ ذكراه، محاولة تقديم مقاربة من عاش تجربة التغيير من الداخل، تتراقص في التاريخ التونسي بتحكم "بالرينا" محاولة ربط الزمان والمكان بوساطة من شخصياتها الثلاث، مقدمة قراءة في الحدث الأهم في تاريخ تونس المستقلة من خلال وجبة كتابية متميزة. رواية المذكرات: جاءت "أعراس الياسمين"في شكل مذكرات يومية للشخوص الرئيسية الثلاثة: "آسيا"، "مهدي"، "ياسين". يكتشف القارئ العلاقة التي تربط هذه الشخوص الثلاثة كلما تقدم في الرواية. يخيل للوهلة الأولى أنها تستلهم "بريد الليل" للسورية "هدى بركات"، خصوصا وأن الموضوع متقارب، لكن سرعان ما تتميز رواية "فقي" قالبا ومضمونا. تذهب "هالة" أبعد إذ تروي الحدث الواحد على لسان أكثر من شخصية، تسافر عبر الزمن قاصة تاريخ "تونس" الحديثة من "بورقيبة"وحتى "بن علي"، تحكي مآسي التونسي الذي يعيش في الداخل على لسان "مهدي" و "نسرين" وغيرهما، بمقابل التونسي القادم من خارجهاوالرؤية التي يحملها عن البلدوكيف يعيش فيها. أخبرتنا "فقي" أنها حاولت إعادة رسم "تونس" طفولتها التي تحن إليها بين العاصمة و "صفاقس"، في لحظة عزلة ووحدة في خلوتها في "مدغشقر" حيث تشتغل كمدرسة ومكونة للمدرسين. ثماني أشهر كانت كافية لها لتنهي مخطوطها الأول وتسعة أشهر إضافية لتنهي الرواية وتحيلها على الناشر. عن الحكاية الشعبية: تقدم الروائية الشابة وجبة أدبية متميزة، محاولة رسم المشهد التونسي وموظفة بعض التفاصيل من صلب الثقافة التونسية من بينها الحكاية الشعبية الموجهة للأطفال."عزوزةالقايلة" من الخرافات الشعبية السائدة في تونس، اعتمدت عليها صاحبة "أعراس الياسمين" لمد جسر بين عدة أجيال في تونس ولكن أيضاعلى سبيل السخرية من عدة وجوه من النظام التونسي البائد، الذين كانوا بمثابة العجوز المخيفة التي تهيم على وجهها وقت الظهيرة بحثا عن الأطفال المشاغبين، تمنحهم لونا أسودا، أو تسرقهم إذا لم يمتثلوا لأوامر أوليائهم، كذلك فعل "بن علي" وأزلامه، إذ تآمروا على تونس وساكنتها وتاريخها ومستقبلها ونكلوا بها أشد تنكيل، أو على الأقل ذلك رأي الأديبة الشابة التي أرادت توظيف أقوال و شهادات مواطنيها ممن عايشوا تلك الحقبة. رواية التعذيب: يمكن أن تصنف رواية "أعراس الياسمين" ضمن أدب السجون وذلك للمساحة الكبيرة التي تفردها "هالة فقي" لأشكال التعذيب الذي كان يعشش في سجون البوليس التونسي، وكيف لعب هذا الجهاز دورا في حماية الرئيس المخلوع وحاشيته. فمن خلالشخصية أحد الأبطال"مهدي" المصور الصحفي، يلج القارئ عالم الأقبية المظلمة للفساد الأمني في تونس "بن علي"، كما يتعرف على صور العذاب التي يلحق بالمناضلين الرجال والنساء.أكدت الروائية ل «الجمهورية" أنها اعتمدت على مراجع موثقة عن تعذيب المعارضين والمناضلين في بنايات "الداخلية" التونسية وقت "بن علي". كما نفت في حوارها معنا أن تكون روايتها حاملة لأبعاد سياسية، هي توثيق لحدث هام في تاريخ البلد، وكل الغليان الذي يميز الساحة السياسة والنقاشات العامة هو أمر صحي وضروري لأي انتقال ديمقراطي. رواية عن الحب أيضا: تنطلق الرواية بمشهد حب، وتنتهي بمشهد حب أيضا، وبين المشهدين رحلة بحث عن الحب بين "آسيا" و "مهدي"، بين "آمال" الطالبة و«ياسين" أستاذ الصيدلة، بين "ماما مايسة" و "الجندي الفرنسي". حب الحب وحب الحياة، حب الحرية والبحث عنها، حب التونسي لمواطنه. لا تطرح الرواية أسئلة فلسفية ولا تغامر في اتخاذ مواقف مميزة إلا أنها ترافع لصالح الحرية والحب على مر الصفحات، ربما لكونه العلاج الأساسي لكل مشكلات الإنسان الذي تجرع آلام ظلم وفقر متوارث، ذلك على الأقل ما شددت عليه: "كتبت رواية عن الحرية والبحث عنها، عن التداخل بين الثقافات وحرية الفكر..." تمجيد مبطن للاستعمار: على الرغم من كون باكورة أعمال "هالة فقي" عملا مميزا ومحاولة جريئة للكتابة عن حدث بعظمة "ثورة الياسمين" ودورها في رسم التاريخ التونسي المعاصر إلا أن ما يمكن أن يحسب سقطة فكرية في عملها هو تضمين رمزي لدور الانتداب الفرنسي الإيجابي في تاريخ تونس الحديث. احتفت الكاتبة بالوجود الفرنسي على أكثر من مستوى في روايتها وهو أمر مقبول إذا ما نظرنا للعلاقات التاريخية التي تربط البلدين ولكن المكاشفات التي تقع بين "ماما مايسة"وحفيدتها «آسيا"، عن حقيقة نسب والدها الذي من المفترض أن يكون ابنا لمجاهد تونسي. سرعان ما تدرك الحفيدة أن أباها ثمرة حب بين جدتها وجندي فرنسي، نسب زورا لجدها المزعوم المرابط في الجبال التونسية وعنه اكتسب لون عينيه الفاتح. لا تسهب "فقي" في معالجة المشكلات التونسية فقد أرادت بهذا العمل تقديم شهادتها عن أعظم حدث في تاريخ تونس المستقلة وفي تاريخ المنطقة برمتها، لكن المزعج بالنسبة للقارئ قد يكون ربما ربط عنوان روايتها "أعراس الياسمين" بالحب الذي ربط بين العجوز "مايسة" والجندي الفرنسي الذي ترى فيه تحديدا "عرسا للياسمين".أمر تنفيه "فقي" تماما حيث تقول أنه يستحيل أن تمجد الاستعمار مستعينة بقاموس المفكر التونسي "ألبير ممي"، و لكن بالمقابل لا يمكن تجاهل تلك الحقبة الزمنية في تاريخ المجتمع التونسي.