إن الظروف التاريخية بين الجزائروفرنسا أضفت على العلاقة بين البلدين طابعا خاصا ومميزا من الفترة الممتدة من العام 1830 إلى سنة 1962 حيث كانت بلادنا ترزح تحت نير المستعمر الفرنسي، لتليها فترة استقلال الجزائر التي كانت بداية لصفحة جديدة من العلاقات مع فرنسا التي تحولت إلى تعاون وشراكة مع تسجيل فترات من التوتر و الفتور والمرور بمناطق اضطرابات لأسباب عديدة لتعود المياه إلى مجاريها مجددا ، و من بين الملفات الكبرى للعلاقات بين الجزائروفرنسا ما يتعلق بالذاكرة المشتركة بين البلدين التي يشوبها الكثير من التعثر و الانقطاع بسبب ممارسات فرنسا الاستعمارية ،وانتهاكها الصارخ لحقوق الجزائريين وجرائم الإبادة الجماعية التي تعد جرائم فظيعة في حق الإنسانية ارتكبها الجيش الفرنسي طيلة عقود احتلال فرنسا لبلادنا إذ لا تزال جرائم فرنسا عالقة بذاكرة الجزائريين وكل سنة يتم إحياء ذكريات مؤلمة لمجازر 8 ماي 1945 و مظاهرات الجزائريين في فرنسا في 17 أكتوبر 1961 و ما ارتكبه جيش فرنسا من تقتيل للمتظاهرين الجزائريين والإلقاء بجثثهم في نهر السين ، و لا ننسى بالمناسبة التجارب النووية لباريس في رقان التي خلفت ضحايا لا يزالون يعانون ، و الكثير من مجازر والمحرقات التي نفذها الفرنسيون في عدة مناطق بالجزائر و هكذا فإنه من أجل تناول ملف الذاكرة المشتركة بين باريسوالجزائر و تجاوز آلام وجراح ومآسي الماضي و العبور إلى مستقبل أكثر وضوحا وتصالحا بين شعبي البلدين ،يجب على الجانبين فتح صفحة جديدة باتجاه آفاق تعاون و الانطلاق في بناء علاقات جديدة للشراكة والمعاملة بالمثل الند للند خاصة في ما يتعلق بالملفات الاقتصادية والقضايا الإقليمية و مشاريع الشراكة والتعاون المستقبليين ،وإن كانت الجزائر قد فتحت ملف الذاكرة باسترجاع جماجم زعماء المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي التي كانت موجودة في متحف الإنسان ،و خطت خطوة مهمة في مسار استرجاع الأرشيف الخاص بها الموجود بفرنسا حيث أوكلت تلك المهمة إلى لجنة تضم شخصيات ضليعة في التاريخ ،فإنها تتطلع في الوقت نفسه إلى المستقبل و تحرص كل الحرص على المحافظة على مميزات علاقاتها مع فرنسا اقتصاديا وسياسيا التي تعتبر حيوية و ضرورية للبلدين رغم مرارة الفترة الاستعمارية و ما خلفته من آثار ،و انطلاقا من هذا فإنه بين الجزائروباريس جسور للتعاون المشترك المتبادل وآفاق للشراكة الواسعة ترسم معالم المستقبل تفرضها حتمية الواقع الاقتصادي العالمي والموقع الجغرافي خاصة في ظل ما يتطلبه حل القضايا الإقليمية من مساهمة فعالة للجزائر التي لها دور تلعبه ويحسب ألف حساب لمواقفها و ردود أفعالها .