بعد الرُطمة التي أوقع فيها الحراكُ الجزائري الأحزابَ السياسية التي استفاقت على وقع ضربة قاصمة شتاء 2019 و تأكّد الشعب أنّ التغير لا يخرج من الصالونات بل تتنفّسه الأرض ، حاولت الأحزاب السياسية رأب ذات البين من خلال الاجتهاد في إنقاذ نفسها و التصالح مع الشارع ، بعد أن ظلّت مغمورة أو هكذا قدّمت نفسها من فرط عدم معرفتها كيف تكسب ودّ النّاس ، في تجربة أبانت أنّها لا تجيد لغة التواصل و تميل إلى مداهنة السلطة ، حتّى ساد اعتقاد أنّه قد رابت رغبتُها في مواصلة السير .. و لحسن حظّها ركبت الموجة مع الحراك في آخر محطاته بأن تبنّت مطالبه و في ظرف قياسي تأسّت به فراحت تطالب بإصلاحات تمس جوهر الفعل السياسي ، مادام هدف الجميع الخروج بنظام ديمقراطي يبني جزائر جديدة ، فكانت ضرورة تنقيح القانون المتعلّق بالانتخابات مطلبا جوهريا. جاء المشروع وفقا لتعهدات رئيس الجمهورية و في أوّل ورشات الإصلاح قذفت السلطة بالكرة إلى مرمى الأحزاب فوضعت بين يديها مسودة ، ليظهر اليوم مدى اجتهاد الطبقة الحزبية في تقديم بدائل لبناء متراص و ليس النقد من أجل الانتقاد أو محاولات إضعاف موقف السلطة ، فضعف الحياة الحزبية لا محالة يضعف الساحة السياسية و يعيد حسابات البلاد إلى نقطة الصفر ، ما دامت تشكيلات سياسة تصدح بمطلب التغير و لكن لا تقول كيف يتمّ ذلك ، فلا تقدّم بديلا و أحيانا تجترّ اقتراحات أو تنزوي في مكان معلنة المقاطعة لأسباب واهية فالمعارضة لا تعني الخصومة و لا الجفاء و لا مقارعة السلطة عند منتصف الطريق بل توضيح الرؤية للنخبة و العامة بفرض الاقتراح و الدفاع عنه بدل ركوب العمل الحزبي وسيلة للوصول إلى السلطة ، متناسية أن العمل الحزبي يكون له دور أكثر أهمية من المنافسة على السلطة من موقع المعارضة و جمع النّاس حول مشروع وطني ، فالتحولات السياسية نحو ديمقراطية كاملة الدسم لا تكون إلا من خلال الضغط المنظم على قوى الشد العكسي التي تقف في وجه ذات الديمقراطية .