- غياب المراقبة والنظرة الإستشرافية التوسعية سبب اختلال التوازن العمراني تختلف نظرة المهندس المعماري للمدينة ولظاهرة التوسع العمراني بشكل عام، فرؤيته ترتكز على نقاط اساسية تحددها الخطوط التقنية الدقيقة والأسس الهندسية التي يقوم عليها أي معمار فضلا على البنود القانونية التي تؤطر وتنظم عملية البناء، ولأنه كان من الضروري أخذ رأي أهل الاختصاص في هذا الموضوع، كان لنا لقاء للنقاش مع كل من المهندس المعماري فاطمي علي عضو هيئة المهندسين المعماريين بوهران ورئيس جمعية فن معماري وثقافة، والمهندس بوبكر أشليف خبير في العمران، طرحنا ظاهرة فوضى العمران من زاوية البنايات العالية التي بدأت تتنامى بمدينة وهران في السنوات الأخيرة وساهمت في اختلال التوازن العمراني، مشكلة فوضى منظمة في ظل غياب الدور الرقابي للدولة من هذا المنطلق تطرقنا الى الظاهرة من كل الجوانب حيث تكلم المهندسان في البداية على الأسس العامة للبناء والتوسع العمراني والتي ترتكز على مخطط شغل الأراضي "بوس"، والمخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير "بدو"، وقدم المهندس فاطمي علي لمحة تاريخية عن نشأة المدن وتطورها والتي تفرض إنشاء مخططات عمرانية تسبق النمو الديمغرافي ليتم احتواء تطور المجتمع، ومن هنا طرح السيد فاطمي الإشكال الذي تعيشه وهران من وسط المدينة الى الأحياء الجديدة، وقال أن النمو الديمغرافي الحاصل في وهران لم يرافقه التخطيط العمراني المناسب بل سبقه بكثير في ظل غياب نظرة إستشرافية توسعية تناسب مخططي "أبوس" و«بدو"، وبالتالي حدث انفجار سكاني كان من الصعب احتوائه الوضع الذي خلق أزمة سكن واكتظاظ ناتج عن النزوح وغياب مخطط تنظيم المدينة ما فتح المجال للتحايل والبزنسة-يقول المهندس فاطمي. وأكد المهندس بوبكر أشليف أن أحياء وهران تعيش مشاكل كبيرة في البناء والتعمير إلا أن المشكل الرئيسي يتمثل في غياب الدور الرقابي للدولة، مضيفا أن المهندس المعماري المختص هو الرجل رقم واحد في العمران ما يخول له أن يشارك في تسيير هذا الجانب بحنكة سياسية، وقال أيضا أن المدينة هي دائمة التحول والتجديد والتوسع ما دفع الى تفجير مباني جديدة وصل الى حد القضاء على الجانب الجمالي للمدن العريقة بحجة التطور والتغيير وعلى أساس أن البناء القديم أكل عليه الدهر وشرب، وهذا هو الخطأ المرتكب، مشيرا إلى مشكل التسيير والرقابة الغائبة وعدم متابعة مشاريع البناء ومراقبتها بعد منح الرخص، وقال أن نمط التسيير في البناء المعتمد في الجزائر متخلف وقديم جدا. ولا تعارض الهندسة المعمارية بكل تياراتها التوسع العمراني الذي يقوم على قوانين ومعايير تقنية وجمالية متناسقة، وهذا ما ذكره المهندس بوبكرأشليف في قوله "التوسع العمراني له ايجابيات كما له سلبيات.." مشيرا الى تصنيفات المدينة بما فيها الطرق الكبرى التي تُعرف كما في كل الدول الكبرى بكثافة سكانية وعمارات عالية، بمعنى إستغلال كل متر مربع للسكن وإعطائه قيمة، وهذا مفروغ منه يقول المهندس، أما السكنات الفردية فغالبا ما تكون داخل الأحياء حيث يتم تشييد عمارات ب6 أو 10 طوابق وهذا هو الجانب السلبي في التوسع العمراني الذي يغيب فيه التناغم المدروس، وأضاف المتحدث أن الجزائرووهران تحديدا بعيدة كل البعد عن هذه النقطة. ويعتبر مخططا التعمير "بوس" و«بدو" القاعدة القانونية التي تُشيّد على أساسها البنايات ويتوسع بها العمران، ويعتبران وثيقة قانونية يترتب على كل من يتجاوزها عقوبات قانونية، إلا أن المشكل الذي أشار إليه المهندس فاطمي هو أن مخطط "أبوس" غير مصادق عليه ما يتيح فرص التحايل في ظل غياب الصرامة في تطبيق القانون، علما أن هذا المخطط هو جزء من مخطط "بدو" يحدد وظيفة كل مبنى إما سكن أو مدرسة أو مؤسسة، كما يحدد المساحات الخضراء والفضاءات المفتوحة، وأشار المتحدث أن المخطط العمراني للمدينة العتيقة اعتمد على أسس قانونية واضحة والدليل التناسق الجمالي للأحياء القديمة بمدينة وهران والموزاييك الظاهر للعيان. وتوقف المهندسان عند نقطة رخص البناء لطرح الاشكالية التي سعينا من خلال هذا الروبورتاج ايجاد إجابات منطقية لها باعتبارها المرحلة الفاصلة للموافقة أو رفض المشروع، ومن هنا يطرح السؤال: على أي أساس يتم منح رخص لبناء عمارات بعشر طوابق داخل الأحياء السكنية الفردية؟ وإذا كانت الرخص مستندة على الأسس القانونية المعتمدة كيف يسمح لأي مرقي عقاري تجاوز الرخصة وإنجاز طوابق إضافية؟، هذا ما فسره المهندسان بغياب دوريات المتابعة والمراقبة لمراحل البناء من قبل البلديات، زيادة على غياب الشفافية في تنفيذ مخطط شغل الأراضي ما أدى الى وجود ثغرة تسمح بالأخذ والرد في هذا المجال وتواصل مخطط تشويه وجه المدينة. وأثار كل من المهندس فاطمي وبوبكر نقطة التنظيم والطابع الجمالي للبنايات الحديثة خاصة وسط مدينة وهران حيث شيدت مراكز تجارية ضخمة اعتبراها كارثة لما تشكله من خطر إنزلاقات الأرضية بسبب وادي الروينة، زيادة على الشكل الجمالي، و يفترض حسبهما أن تزيد هذه البنايات لمسة جمالية وتضاف بعناية ودقة حتى تظفي لمسة عمرانية هندسية جميلة للمدينة وتحقق تناغم مدروس في الواجهة والطرقات الكبرى وتأسف الخبير أشليف على إهمال الدولة لقيمة العمران وانتقد تغليب السكن على التخطيط العمراني أو الهندسة العمرانية في الطابع الوزاري، ما جعل كل الاهتمام يصب فقط في مهمة البحث عن حل أزمة لا صناعة مدن حديثة ومتطورة من كل الجوانب لتستجيب لتطلعات السكان وتخلق فضاءات للسياحة. وبذلك فان كل النقاش خلص الى أن النمو الديمغرافي في مدينة وهران سبق المخططات والتنظيم وحصل انفجار سكاني صعب التحكم في الأمور فتم اللجوء الى البناء فقط لاحتواء أزمة السكن، في وقت إنعدمت فيه مخططات دقيقة وفق دراسة مسبقة استشرافية للمدينة وهذا ما خلق أزمة خانقة وفتح أبواب الجشع والبناء في الأعالي، وقال المهندس فاطمي أن فوضى العمران تسير نحو تأزم كبير حيث شيدت عمارات ب11 و15 طابق وحتى 20 طابق مشكلة اختناق كبير ضغط وازدحام ألغى كل الفضاءات المفتوحة والمساحات الخضراء وبدت المدن في عشوائية ممنهجة تخلق مشاكل تهدم المجتمع من كل النواحي ويرى المهندسان أن الحل يكمن في إشراك أهل الإختصاص، والانطلاق من دراسة إستشرافية متأنية حتى لا نواصل خلق مدن فوضوية منظمة لا تنتمي لأي تيار هندسي.