لسنا بمختصين وليست لنا الخبرة الكافية في مجال الترميم والهندسة المعمارية ، إلا أن ما آلت إليه المدينة العتيقة يحز في أنفسنا ويدفعنا للتذكير و للمرة الألف أن من أولويات المسؤولين الالتفات إلى ملف سيدي الهواري بعد عقود من الإهمال والضياع بين دراسات جُمدت لأسباب مالية وبين الطلبات المتكررة لتصنيفه كمنطقة محمية وبين المشاريع العالقة وبين إعداد مخطط الحماية الذي أسند أخيرا إلى مكتب دراسات خاص بعد 6 سنوات من تصنيف سيدي الهواري كقطاع محمي فالشيء الوحيد الذي طال سيدي الهواري حتى اليوم هو سلسلة الترحيلات التي مست البنايات الآيلة للانهيار أو التي انهارت فوق رؤوس سكانها وحتى هذه العملية لا يمكن أن نصفها بالايجابية، او نقول أنها قد خففت من الإشكال لأن العائلات المُرحلة قد انتزعت غصبا من محيطها الذي ولدت وترعرعت فيه، والحل حسب المختصين ليس في إعادة الإسكان وإنما في إنقاذ ذاكرة مدينة بأكملها مدينة تحمل بين ذراعيها القصبة وسكاليرا وبودانس و حمامات الاتراك وجامع الباشا وقصر الباي ...ومعالم لا تقل أهمية عن هذه الأخيرة ولا تتجزأ عن القطاع المحمي مخططات لم تتعد الإجراءات الادارية مرت السنون وشاب الرأس وشاخ الجسد فأصبحت غير قادرة على مواجهة عوامل الزمن والصمود والثبات أكثر في وجه رياح الإهمال ، هذا هو حي سيدي الهواري بولاية وهران ، أو بالتسمية الصحيحة المدينة العتيقة سيدي الهواري، لأننا إذا أدرجناه ضمن قائمة الأحياء العتيقة المتواجدة بالباهية نكون قد قصرنا نحن كذلك في حقه ولم نوفيه قيمته التاريخية التي يستحقها كأضعف الإيمان، و ما تكتنزه المدينة من ذاكرة لأحقاب زمنية خلت أكبر بكثير من المبادرات المحتشمة والمحدودة للمسؤولين التي للأسف لم تخرج لحد الآن عن البرامج المسطرة تارة والمشاريع المستقبلية تارة أخرى ومرات عديدة مخططات لم تتعد عتبة الإجراءات الإدارية والقانونية . لا ندري إذا كان هذا قدرها المحتوم أم هو عجز المسؤولين عن إنقاذ المدينة، أم أكثر من ذلك محاولة التهرب من تكلفة عمليات الترميم الثقيلة نحو التوسعات غير المدروسة للأحياء السكنية وتشييد مدينة جديدة بمواصفات لا تخرج عن نطاق مراقد خالية من المرافق الضرورية وحتى إن وجدت تكون بعيدة، أوغير كافية لتغطية احتياجات العائلات في الوقت الذي تحتاج فيه أحياء عديدة هي في حقيقة الأمر رمز من رموز المدينة إلى عناية خاصة تخرجها من عنق الزجاجة. ونحن نعود إلى المدينة العتيقة نطرح أكثر من سؤال ونبحث في نفس الوقت عن سبب الإهمال واللامبالاة التي حولت سيدي الهواري إلى جسد يحتضر يحزن عليه كل من زاره ويبكي على حاله كل من عاش وقضى طفولته بين أزقته الضيقة، كيف لا و هو ينطفئ تدريجيا دون أن يبادر أصحاب القرار إلى توفير الحماية له بشكل استعجالي واستئصال العضو المتورم منه. 25 واليا يمر على وهران.. والوضع على حاله الوضعية الكارثية التي آلت إليها المدينة العتيقة والتدهور الكلي للبنايات يدفعنا للحديث مجددا عن حصائل العهدات السابقة والتنقيب عن ما قدمته السلطات المحلية طيلة عقود مضت، خاصة إذا قلنا أن سيدي الهواري لم يكن له الحظ الأوفر للاستفادة من مشاريع إعادة الاعتبار ويخرجه من غرفة الإنعاش. والغريب في الأمر أن يمر على ثاني أكبر مدينة في الجزائر بعد العاصمة 25 واليا ويبقى الوضع على حاله، بل ويزداد تدهورا وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء وبالضبط منذ قرابة نصف قرن نجد أن المسؤولين التنفيذيين الذين عينوا على رأس ولاية وهران طيلة هذه الفترة لم تكن لهم نظرة مستقبلية للحفاظ على المدينة الأثرية ولا حتى الاجتهاد في كيفية إنقاذ سيدي الهواري وتسطير برامج استعجاليه بالتنسيق مع مهندسين معماريين وخبراء ممن ابدوا استعدادهم لحماية كل ما هو مرتبط بذاكرة الباهية، بعدما أدار كل مسؤول تنفيذي ظهره ولم يعر لها أدنى اهتمام من زاوية أن الملف ثقيل جدا ويتطلب أموالا وجهدا ووقتا أطول . وإذا ما غصنا أكثر في هذه المرحلة بالذات نجد أن اقل مدة قضاها كل والي في تسيير شؤون وهران لا تقل عن 3سنوات وأقصاها 5 سنوات ومع ذلك ظل الملف مفتوحا إلى يومنا هذا وكأن المدينة مفروض عليها أن تعيش وسط الركام والأطلال إلى أن تتلاشى نهائيا، لا ندري إذا كنا هذه المرة قد أوفينا حقها بطرحنا ملف للمدينة المحمية التي كبث أنفاسها وعود المسؤولين في اليوم الوطني المدينة ولا ندري ما إذا كانت ستنتظر سنوات أخرى وولاة آخرين بيدهم الحلول التي طالما نادى بها أبناء وهران