بقدر ما في الصيف من فرحةٌ بقدر ما ينبت في الحلق غصّةً، فالمتعوّدون على العطش يعودون هذا الشهر و الذي يليه و الذي يلي الذي يليه إلى أن يحدث أمّر نظنّه قريبا. في الشتاء و حتّى الربيع يحسب النّاس للمطر زخّاته و يبنون من الرذّاذ سدودا تمتدّ إلى الصين ، يهلّلون : هذا عام مبروك ، «عام السْنا زَيْن» . تتقدّم بنا الأيّام بضعة أشهر فتسمع : و الله ما حصدنا ، عام الوْبا ، دورناها قاع تبن ، باليناها للقبالة ، لا قمح لا قرط ، القْلم غاليا ، ما كْلات ما شربتْ ، و يردّ آخرون : تحيا البابور ، في إشارة إلى الاستيراد و لكن ماذا عن الماء ؟ أتعبّئه لنا الدولة في قنينات و قارورات لنروي الضمأ ؟ و ماذا عن السياسات المتّبعة عندما ينزل المطر ؟ نتركه يسيل وديانا بدل بناء سدود صغيرة كما تفعل كل البلدان و تجمعه ليوم المحنة ؟ و ماذا عن تلك الأمطار التي سالت مياهها سيولا جارفة أخذت معها حتّى البشر ، تذكّروا شلف ، مدية ، مسيلة ، باتنة و قبلها العاصمة و و .. أين ذهب هذا الماء ؟ نزل إلى البحر فصار أجاجا ، و سنصرف عليه أموالا لتحليته ، لعلّنا نشربُ. و الحقّ يقال فرغم حملات التحسيس التي لا تتوقّف فإنّها لم تؤت ثمارها ، فلا يزال الجميع غير مبال بقيمة قطرة الماء التي تسيل في مجاري كل مدن البلاد ، أصحاب المحلاّت يطلقون العنان لحنفياتهم لتنظيف واجهاتهم و المساحة التي يتواجد فيها نشاطهم ، و في المقابل يرمون بقاذوراتهم غير بعيد ، فصارت كل المدن مزبلة في الفضاء الطلق ، و يضاف إليهم أولئك الذين يغسلون سيّاراتهم بطريقة غير عقلانية ، فبدل اقتصاد ماء التنظيف تراهم يغرقون مركباتهم و الشارع و الحي فيمتد سيلان الماء إلى ما لا نهاية ، ثمّ يعطشون و لا يعرفون أنّهم سبب ما اقترفت أيديهم.