نظمت أمس جمعية "أحباب جريدة الجمهورية" بالتنسيق مع المنظمة الوطنية للمجاهدين لولاية وهران ندوة علمية حول "الأمير عبد القادر العالم المجاهد ومؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة" بحضور الأسرة الثورية وممثلين عن السلطات المدنية والأمن الوطني والجمارك. وأكد الأستاذ عباسة الجيلالي رئيس جمعية "أحباب جريدة الجمهورية" الذي نشط الندوة العلمية والتاريخية، على قدسية رمزية الدولة والأمير عبد القادر بن محي الدين الحسني من رموز الأمة الجزائرية التي يجب وضع خط أحمر عندها٫ ولا يجوز المساس بها بأي طريقة كانت، منوها بالإساءات التي تعرض لها في الفترة الأخيرة، وتزوير حقائق مسيرة هذا المجاهد والمقاوم الرمز، وهذه التأويلات تروج لها فرنسا منذ الاحتلال ولازالت لحد الآن تواصل حملاتها المغرضة، في الوقت الذي تصنع الدول تاريخا مصطنعا لها، هناك من يريد في الداخل من يريد تحطيم الرموز التي أسست الدولة الجزائرية، وكمتتبع لما يجري عبر الشبكة العنكبوتية من تأويلات ومن تهم موجهة للأمير عبد القادر بالاستسلام -يضيف عباسة جيلالي-، حيث أصبح الكثير لا يفرق بين وقف إطلاق النار وعملية الاستسلام، وهنا نؤكد أن الأمير لم يستلم أبدا. وتطرق الأستاذ محمد بن جبور من جامعة وهران في مداخلته إلى علاقة الوالد بالابن، فلقد كان محي الدين بالإضافة إلى كونه شيخ الطريقة القادريةفهو صاحب مكانة رفيعة بين عامة الناس بل من كبار الأعيان، فقد قام الأب محي الدين بصقل وتكوين ابنه عبد القادر، وكانت رحلة أداء فريضة الحج أقوى درس في حياة الشاب عبد القادر، فقد خرجا معا، وكانت الرحلة إلى تونس ثم مصر فالحجاز ثم بلاد الشام ثم العودة إلى الجزائر، فقد كانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من التاريخ، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهما "القيطنة"، وتلقى الشاب مجموعة أخرى من العلوم، فقد درس الفقه والحديث والفلسفة وعلوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي والعلم العقلي، وجرب السفر والمشاهدة، ما جعل والده يرشحه في مجلس الشورى للبيعة والقيادة، بعد تعرض الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال الأراضي الجزائرية. ولقد بنا الأمير عبد القادر جيشا منظما ومهيكلا وفق أحدث النُظم وقتئذٍ ودعمَّه بالأسلحة الحديثة، حيث شيَّد عدة مصانع للأسلحة، الأمر الذي ساهم بصفة كبيرة في انتصاراته العسكرية على الاستعمار الفرنسي، كما أسس الأمير عبد القادر جهازا للشرطة والذي كان يسهر على تأمين المدن من قطاع الطرق واللصوص، حيث استتب الأمن في ربوع الدولة، وقلت الجرائم والفساد الأخلاقي. وتفطَّن الأمير عبد القادر بصفته قائداً سياسيا وعسكريا إلى العوائق التي ستؤثر على نشأة الدولة، ولعل أبرز ما تفطَّن له هو تفرُّق صف الأمة وشتات رأيها، حيث عمد إلى توحيد الكلمة وزرع الوطنية، وإذكاء الثقافة السياسية لدى مختلف القبائل والعشائر، التي كانت غير متعوِّدة على الانصياع تحت قيادة مركزية تتحكَّم فيها وتسيِّرها، إذ ألفت الاستقلالية في ذلك. * الترويج للأكاذيب ركز الدكتور الجيلالي عبد القادر عضو المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين -الذي ترحم على المجاهد الأمير عبد القادر- على أن الأمير يعتبر مرجعية ومن رموز الدولة الجزائرية قائلا: "نحن على أبواب الاحتفال بعيدي الاستقلال والشباب، وأنتهز هذا اللقاء للحديث عن الأمير كرمز للدولة الجزائرية، وأي دولة في العالم لها مرجعياتها وتعتبر رموزها خطا أحمر لا تقبل الطعن فيهم، وعندما نتحدث عن الأمير عبد القادر فالحديث عنه ليس دفاعا عن تاريخه ومساره، بل تأكيدا واقتناعا برمزيته بالنسبة للدولة الجزائرية، ولا يجب أن نكون في وضعية الدفاع والتبرير عن الأمير فشخصيته ومساره ومآثره ومقاومته تغني عن ذلك، بل علينا أن نكون في وضعية هجوم على كل من يريد تلطيخ رموز الدولة الجزائرية والأمير أحد أكبر هذه الرموز، هذا البلد التي اكتشف فيه أحد أقدم المتحثات البشرية منذ مليون ونصف مليون سنة، عكس فرنسا التي يرجع تاريخها إلى 150 ألف سنة فقط، وهذا يوضح الأمور أكثر ويرد على الدراسات التاريخية الاستعمارية التي تقول أن الجزائر تأسست في حقبة الاستعمار الفرنسي. إن الكثير من هذه الأكاذيب انتشرت بقوة في مواقع التواصل الإجتماعي سواء حول الأمير عبد القادر أو غيره من رموزنا الوطنية في غياب آراء آصحاب الاختصاص أي المؤرخون، ومن تأثيرات الخطاب الاستعماري الفرنسي مثلا الترويج لفكرة أن الشعب الجزائري لم يبن أي حضارة أو إنجازات عبر تاريخه الطويل الممتد منذ آلاف السنين، كما يروج أيضا أنه لم يشكل يوما دولة أو كيانا سياسيا وأنه لم يكن يوما أمة. 1500 مسيحي في حماية الأمير في حين تحدث الأستاذ مرزوقي محمد عن البعد الإنساني للأمير عبد القادر وعن مساهمته في حماية 15 ألف مسيحي لجأوا إليه، فقام بتوفير لهم سبل الحماية من أي اعتداء، مما جعل عدة دول أوروبية تكرمه بأوسمة استحقاق لنبله الإنساني في حماية الأرواح ومنها روسيا، الفاتيكان، تركيا، بريطانيا وغيرها، والتي كانت صفعة لفرنسا، وليؤكد أن الأمير عبد القادر لم يستسلم أبدا بل كان هناك وقف إطلاق نار أراد به حقن الدماء وإنقاذ الأرواح وحماية 1200 جندي كانوا تحت قيادته، فهؤلاء من واصلوا المقاومة جيلا بعد جيل إلى غاية ثورة التحرير المجيدة التي تكللت والإنسانية صقلها التكوين والتجربة التاريخية، ليتفق المتدخلون أن الأمير عبد القادر لا يحتاج إلى أي دفاع، فتاريخه ووطنيته وبطولاته وصوفيته وإنسانيته وشعره ومآثره وسجاياه كافية للدفاع عنه.