شهدت المناطق التي اندلعت بها حرائق الغابات منذ يوم الإثنين حالات جديدة للتلاحم الشعبي الجزائري، تقشعر لها الأبدان وتبقى عالقة في الأذهان، ووضحت الصورة أكثر للرأي العام العالمي، وللمجرمين الذين يحاولون زعزعة إستقرار هذا الوطن، بأن الجزائريين كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وبأن وطننا جزء واحد لا يمكن تقسيمه أو تشتيته، فهو بمثابة الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وخير دليل على هذا، تلك الصورة الملحمية التي أبانها الجزائري للعالم، في وقوفه إلى جانب إخوانه من منكوبي الوطن في الولايات التي إندلعت بها النيران، خاصة في منطقة القبائل الكبرى، ففي لحظات الأزمات لم يفكر أي واحد من المتدخلين والمتضامنين في هوية الضحايا إن كانوا من الشرق أو الغرب أو الجنوب، بل كان همّ الجميع هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح والتكفل بالعائلات المنكوبة، وهي أكبر صفعة للمشككين في الوحدة الوطنية وقطع لدابر الأيادي الإجرامية التي إمتدت لحرق أشجار الزيتون، في محاولة لإذكاء نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد لتفرقتهم. وما زاد هذا التضامن قوة ، تلك الملحمة الشعبية التي كتبها 25 جنديا من أفراد جيشنا الوطني الشعبي بأرواحهم التي إفتدوا بها الجزائر، فزغردت لإستشهادهم كل أمهات الجزائر، ودمعت لفراقهم كل العيون لبسالة ما قاموا به، مجسدين قسم الولاء للوطن بإنقاذهم لعائلات كان يتهددها الموت في جبال تيزي وزو وبجاية المحاصرة بنيران الإجرام، رغم أنهم جنود تختلف مشاربهم وولايات مولدهم مابين مستغانم وسيدي بلعباس وغيرها، لبوا نداء إخوانهم بالناحية العسكرية الأولى بتيزي وزو وبالناحية العسكرية الخامسة ببجاية، جيجل وسطيف. ما قام به أبطالنا الشباب من أعضاء جيشنا الوطني الشعبي، ليس بالغريب عليهم، كيف لا وهذا التنظيم هو سليل جيش التحرير الوطني الذي قاوم وأخرج أعتى قوة إمبريالية من بلادنا بعد 130 سنة من الاحتلال الغاشم، وسبع (7) سنوات ونصف من الحرب التي لم تحط أوزارها إلا بعد تركيع فرنسا، وإخراجها من بلادنا مذمومة مدحورة. هي سواعد كانت دائما حاضرة لحماية وطننا من أعداء الخارج بحراسة حدودنا، والتدخل في الوقت المناسب إبعادا للخطر الذي قد يداهم بلادنا في أي وقت، وهم أيضا السباقون لحماية العباد إلى جانب البلاد، بداية من مشاركتهم في إقامة السد الأخضر الذي تكفل به شباب الخدمة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي لتوقيف زحف رمال الصحراء، إلى تقديم يد المساعدة للمواطنين وقت الكوارث الطبيعية كزلزال الأصنام في 10 أكتوبر 1980، وزلزال بومرداس في21 ماي 2003 وفياضانات باب الواد في 10نوفمبر 2001. هي مهام نبيلة يؤديها جيشنا الشعبي الوطني، التي على الرغم من أنها تدخل في إطار المهام الإنسانية التي أقسم أفراده على القيام بها، إلا أنها تبقى سامية ينحني المرء خجلا أمام ما يقومون به من أجل أفراد مجتمعهم، في الحر والقر، وفي المواسم والأعياد، تاركين أمهات ونساء وأطفالا يصبحون أيتاما إن قضوا نحبهم في سبيل حماية الوطن، كما حدث في الحرائق الأخيرة. ما أحدثته ألسنة النيران الأخيرة التي إشتعلت في جبال جرجرة وفي فؤاد كل جزائري غيور على وطنه، أثبتت أن الشعب والجيش "خاوة خاوة"، لا سلطة عليهم سوى "سلطان حب" الجزائر، فقد شاهدنا خوفا متبادلا من الشعب على أفراد جيشه وخوفا من الجيش على الشعب خاصة الأطفال والنساء، فقد كان الإستعداد واضحا لمواجهة النيران والتصدي للّهب والموت في سبيل أن تحيا الجزائر، رحم الله شهداءنا وحفظ وطننا من كيد الكائدين.