لا تزال الهبات التضامنية التي شرع فيها الجزائريون منذ مدة لصالح إخوانهم المنكوبين عبر المدن المتضررة من الحرائق متواصلة، بما فيها منطقة القبائل وولايات أخرى بالشرق الجزائري، غير مهتمين بمحاولات إبعادهم عن أهدافهم الإنسانية والنبيلة التي ورثوها عن أجدادهم، بداية من طارق بن زياد فاتح الأندلس، إلى سي الحواس ولطفي وغيرهم من شهداء الجزائر الذين قهروا أقوى قوة إستعمارية في القرن العشرين، إلى جنودنا البواسل الذين واجهوا نيران الغابات التي أشعلها حاقدون على الجزائر في أعالي غابات جرجرة الصامدة. وفي المقابل لاتزال أصوات التهدئة تتعالى هنا وهناك من حكماء الجزائر التي تنادي بنبذ خطاب العنف والكراهية والحقد، وكل أنواع الفتنة التي من شأنها أن تجر بلادنا إلى أنفاق مظلمة، يصعب بعدها الخروج منها بأمان، بل على العكس أبانت الأزمة التي مرت بها الجزائر خلال الأيام الأخيرة عن التلاحم والوحدة التي يتسم بها الشعب الجزائري. فعقلاء هذا البلد الأبيّ إكتسحوا الشبكة العنكبوتية بقوة هذه الأيام، منادين بضرورة لم الشمل والإبتعاد عن العنصرية التي تدفع بالناس إلى إنتهاج سبل العنف والكراهية، فعلى الجميع أن يبقوا سلميين متحدين، ويعمل كل واحد من موقعه على السعي إلى نشر خطاب السلمية، والتشجيع على التهدئة بعيدا عن الفتنة من أجل بناء جزائر حرة ديمقراطية كما أرادها أحرار حراك 22 فبراير2019. وفي جانب آخرعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم سواء الدولة التي عليها أن تضرب بيد من حديد، لفرض هيبتها التي حاول البعض المساس بها، وذلك بكل وسائل الإكراه المسموح بها، أو القضاء الجزائري بداية من الضبطية القضائية إلى جهات التحقيق وقضاة الحكم، لتتجسد دولة القانون والعدل والمساواة في أسمى صورها، بعيدا عن تحميل منطقة بكاملها وسكانها تبعات تلك الجريمة البشعة التي راح ضحيتها شاب أعزل، لأن هذا النوع من الجرائم مهما وصلت بشاعتها تبقى شخصية، وعلى الفرد الذي إقترفها أن يتحمل تبعاتها من أفعال أمام القضاء، بشرط أن تكون له ضمانة المحاكمة العادلة وهو ما تنص عليه كل دساتير الجزائر، وأكد عليها دستور الفاتح نوفمبر 2020 الأخير. كما أن الجزائريين في محنتهم الأخيرة بينوا مرة أخرى للعالم، أنهم جسد واحد، وقلب واحد وبنيان مرصوص، لا يزعزعه الناعقون الذين يحاولون تشويه أجمل الصور التي صدّروها للعالم في حراك فبراير 2019 بخروجهم في حشود مسالمة وبمرافقة جيشهم العظيم، في سلمية تامة إلى أن حققوا مبتغاهم بتنحية أفراد الحكم الفاسد، وفي أزمة الأوكسيجين من خلال الهبات التضامنية والتبرعات التي قام بها المواطنون لشراء المكثفات والمولدات من أجل إنقاذ باقي إخوانهم بالمستشفيات. وزادت الصورة بهاء ما حدث من تلاحم شعبي بين الشعب الجزائري في مأساة الحرائق التي مست عدة مناطق من الوطن وتضررت منها القبائل الكبرى، فعلى الرغم من قساوة ما حصل وضياع الأرواح وتشرد العائلات، إلا أن ردود الفعل عبر الوطن والهبة التضامنية التي قام بها الناس أسقطت كل أنواع الجهوية والهوية والعرقية وأصبح القلب واحد والمأساة واحدة، فما مس البيت البجاوي أو السطايفي أو البرجي وخاصة ما حصل في تيزي وزو أثر على كل فرد من أفراد الشعب الجزائري، الذي قضى الكثير منهم ليلة بيضاء مابين الدعاء والإبتهال لله تعالى لتكون النيران بردا وسلاما على إخوانهم، فيما حمل البعض الآخر عدته وسافر بالماء والمؤونة والدواء وصهاريج المياه للمساهمة في إطفاء ألسنة اللهب، جنبا إلى جنب مع إخوانهم، كلهم جزائريون مسلمون، روح واحدة وألم واحد. كما أظهرت المأساة الأخيرة فشل السياسة الإستعمارية «فرق تسد» التي تحاول أذناب فرنسا وبعض الإنفصاليين من الحركات الإرهابية التي نعتها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في آخر خطاباته للأمة «بجراثيم الفتنة» تجسيدها حتى بعد إستقلال الجزائر، مستغلة جريمة إغتيال الفنان «جمال بن إسماعيل» لزعزعة اللحمة الوطنية، من خلال تسريب بعض الفيديوهات تدريجيا، بطريقة أدرك من خلالها الكثير من أبناء هذا الوطن أن المراد منها ليس إظهار الحقيقة، بقدر ماهي محاولات بائسة لشحن كره الجزائريين ضد إخوانهم القبائل، وفي المقابل تسريب فيديوهات مفبركة أخرى لشحن القبائل ضد العرب. لكن هيهات فأحفاد الأمير عبد القادر الجزائري الذي إنحنت له فرنسا والعربي بن مهيدي وبن بولعيد ولالة فاطمة نسومر حفظوا الدرس جيدا، وأخذوا العبرة من دول الربيع العربي وتقسيم السودان وقبلهم من عشرية دموية عانى منها شعبنا ما عانى ولم تفرق بين شاوي وميزابي وعربي وقبايلي، بل كانت حرب إبادة على الجميع، ولقاح جيد ضد أي إختراق من أعداء الوطن.