يعتبر مشكل السكن بولاية وهران من المعضلات الكبرى التي لم تنفع معها كل السياسات التي نتهجتها الدولة من خلال تسجيل عدد هائل من البرامج، بمختلف الصيغ من أجل القضاء على غبن المواطن الوهراني، وبرمجت في هذا الصدد عدة عمليات ترحيل من أحياء قديمة إلى أخرى جديدة، دون جدوى حيث بقيت دار لقمان على حالها. فوهران التي تعد العاصمة الإقتصادية للوطن، وقبلته السياحية بإمتياز، ومنتظر أن تحتضن أكبر تظاهرة رياضية متوسطية وهي ألعاب البحر الأبيض المتوسط في 2022، لا يزال أبناؤها يعانون مشكل السكن، خاصة من لا يجرؤون على إقامة الخيم في الشوارع للفت إنتباه السلطات المحلية، ولا على بناء السكنات الفوضوية في جيوب وهران، إحتراما لقوانين الجمهورية التي تمنع تشييد البنايات غير الشرعية. لكن هذا الأمر حرم الكثير من أبناء وهران الحقيقيين على مستوى عدة أحياء كالصنوبر والحمري والدرب وبلاطو وغيرها، من فرصة حقيقية للإستفادة من سكن كريم يحميهم من خطر إنهيار سقف بيوتهم القديمة على رؤوسهم، ويأويهم وعائلاتهم حر الصيف وقر الشتاء. ملفات افسدتها الرطوبة لقدمها غبن سكان وهران ليس بالجديد بل يعود إلى سنين غابرة، ومن بين الملفات التي تعالجها لجنة دراسة ملفات السكن بالتنقيط على مستوى دائرة وهران في الوقت الحالي منها ما يعود إلى سنة 1975، أودعها أصحابها بدواوين الترقية والتسير العقاري بهدف الظفر بسكن لائق، منهم من قضى نحبه ولم يتحقق حلمه ومنهم من ينتظر، منهم من كان شابا وأصبح شيخا بأحفاد، ويحضرني في هذا المقام ما أسرّه لنا رئيس دائرة وهران السيد رحموني في إحدى لقاءاتنا الإعلامية عندما قال، أنه «لشدة قدم الملفات يتعاملون معها برفق»، فإذا كان هذا حال الملفات قكيف يكون حال أصحابها؟ استفادات على الورق وإقصاءات بالجملة كما يضاف إلى هذه المشاكل نوع جديد طرحه علينا البعض، ويتعلق بإستفادات على الورق، تفاجأ بها البعض عند صدور القائمة الإسمية للمقصيين التي أصدرتها دائرة وهران على صفحتها الرسمية على الفايسبوك، ويتابعها معظم سكان وهران للحصول على أية معلومة ترفع الغبن عنهم. هذه الإستفادات تخص من سجلوا في صيغ أخرى من السكن مثل عدل وتم قبول ملفاتهم في الدراسة الأولية، لكنهم لم يتمكنوا من إستكمال الملف أو لم يتوفر لهم مبلغ الشطر الأول فتنازلوا عن السكن لدى المديرية الولائية بوهران. الطامة الكبرى التي إكتشفها هؤلاء أن التنازل الذي يحوزون عليه لم يلغ الإستفادة، وبقي إسمهم ضمن البطاقية الوطنية للسكن، وهو ما جعل لجنة دراسة ملفات التنقيط لدائرة وهران تقصيهم من الإستفادة، لأنه بالنسبة لها هؤلاء سبق لهم الحصول على سكن. نفس الشيء إصطدم به من تحصلوا على وثيقة إستفادة مسبقة من السكن الإجتماعي التي أقرّها الوالي الأسبق لوهران السيد بوضياف، لكن ألغيت لاحقا من قبل المسؤولين المتعاقبين على الولاية، دون شطب إسم هؤلاء من البطاقية الوطنية، وهو ما حرمهم أيضا من الحصول على سكن جديد. للعلم فإنّ آخر قائمة إسمية لملفات الإسكان بالتنقيط خاصة بمدينة وهران، أفرج عنها ديوان الترقية والتسيير العقاري في صائفة 1997، ومن يومها والمواطنون ينتظرون الإفراج عن قوائم أخرى دون جدوى. عمليات ترحيل لسكان البنايات القديمة ولكن... توقيف دراسة ملفات السكن الإجتماعي بوهران لا يعني أن برامج السكن توقفت، بل على العكس فقد شهدت الولاية ورشات مهمة في العشر سنوات الماضية، وسجلت بها عمليات ترحيل كبيرة إلى الأحياء الجديدة بحي الياسمين ووادي تليلات وقديل والقطب العمراني ببلقايد. هذان الأخيران شهدا في الفترة بين 2016 و2019 عملية ترحيل كبرى، مسّت عددا كبيرا من البنايات خاصة في وسط مدينة وهران، وتم رفع الغبن عن الكثير من العائلات. لكن للأسف الشديد فكما كانت هذه العمليات التي برمجتها السلطات المحلية خيرا على البعض، كانت نقمة على البعض الآخر، حيث تلاعب بعض أعضاء لجان التحقيق بمصير الكثير من العائلات، وتم إقصاء سكان حقيقيين يمتلكون كل الوثائق التي تثبت أحقيتهم بالسكن وهم من السكان القدامى، وتم إستبدالهم بدخلاء عن الحي أقحمت أسماؤهم بطريقة أو بأخرى كما كان في عملية ترحيل سكان حي الدرب بوسط مدينة وهران في 2016، حيث تم إقصاء السكان الحقيقيين من قبل لجنة التحقيق في عملها الميداني في 2011 ولنا في رقم 4 شارع فرندة مثال حي على ذلك، حيث أقصت اللجنة عائلات لديها وصولات كراء تعود إلى ستينات القرن الماضي، وملفات سكن منذ بداية الثمانينات، ومع ذلك حرمتهم لجنة التحقيق وإستبدلتهم بدخلاء عن البناية ينعمون بسكنهم الجديد في منطقة قديل، بينما لاتزال العائلات المقصية تعاني من وضعيتها المزرية إلى يومنا هذا، خاصة عندما يشتد زمهرير الرياح وتقوى أمطار الشتاء، حيث تنتظر الرد على الطعون التي أودعتها في 2012 ، دون أن تخرج إلى الشارع لنصب الخيم أو اللجوء إلى الأحياء الفوضوية للتحايل على السلطات والظفر بسكن، كما فعل كثيرون. المشكل ذاته مطروح بجل المباني التي تم ترحيل أصحابها سواء بحي الصنوبر أو الحمري والمقري وغيرها، حيث أقصت لجان السكن حينها عدة عائلات لها الأولوية في السكن، وهذا إما بناء على وشايات كاذبة وتصفية حسابات بين البعض من السكان، أو لحاجة أخرى في نفس بعض اللجان التي أحصت من أسمتهم بسكان «الخانة الحمراء»، وكانت نتيجة هذه العملية ملفات طعون لا تزال تنتظر دورها للدراسة. ويؤكد الكثير من المواطنين الذين إلتقيناهم في مختلف خرجاتنا الإعلامية، ومن يعتصمون أمام دائرة وهران كل يوم مطالبين رئيس الدائرة السيد رحموني بضرورة الإلتزام بوعوده التي يقطعها ويخل بها في كل مرة، وذلك بالإفراج عن قائمة المستفيدين من السكن الإجتماعي لأنها هي الوحيدة التي ستنصف أبناء وهران الحقيقيين. مضيفين بأن ما يؤرقهم أكثر هو الوعود المتكررة التي لا تتحقق بنشر هذه القوائم، والتي كان يعلن عنها في كل مرة رئيس الدائرة والوالي السابق، وعندما يحين الوقت يرجؤونه إلى موعد جديد، وهذا الأمر أثار غضب الكثير منهم، حيث يمكن لأي كان أن يتحقق من حالة الإستياء الكبير لهؤلاء، من خلال الحشود البشرية المتجمعة أسبوعيا أمام مقر دائرة وهران، حتى كادت أن تكون مكملة للمبنى الجديد الذي لم يمر على إستلامه سوى بضع سنين. وأكد لنا العديد منهم أيضا أن هذا التسويف وغياب المعلومة الحقيقية، وحالة الترقب التي هم عليها، جعل معظمهم يعيش على أعصابه خاصة بعد إصطدامهم بالمرسوم التنفيذي رقم 08-142 المؤرخ في 11 مايو سنة 2008 الذي يحدد قواعد منح السكن العمومي الإيجاري، وينص على أنه لا يستفيد من هذه الصيغة من يتجاوز دخله العائلي الشهري أربعة وعشرين ألف (24.000 ) دج. ولهذا القانون حكاية أخرى خاصة أمام التساؤلات التي يطرحها المواطنون بشأنه، فهل يخضع من أودع ملفه قبل ماي 2008 وفقا لشروط الإستفادة خلال تلك الفترة لهذا القانون ويتساوى في الحظوظ مع من أودعوا ملفاتهم بعد هذا التاريخ؟، وماذا عمن يتجاوز راتبه هذا المبلغ ببضع دنانير، فهل يمكنه توفير العيش الكريم لعائلته والإنخراط في صيغ سكنية أخرى، ثمّ بأي حق يتم إقصاؤهم من الإستفادة بعد سنوات صبر منها ما يمتد إلى 46 سنة؟، هي إنشغالات وغيرها يطرحها هؤلاء ممن يبنون وأطفالهم أحلامهم على أمل الحصول على «قبر الدنيا». سكان الصنوبر ورأس العين مأساة من نوع آخر وإن كان هذا حال قاطني المباني القديمة لوهران، فإن حال سكان حي الصنوبر، وعلى الأخص رأس العين وهو أكبر تجمع فوضوي بوهران تعود نشأته إلى 1920، لا يختلف كثيرا عن حال غيرهم من سكان وهران القدامى، فهؤلاء تلقوا وعودا من 5 ولاة مروا على وهران بداية من السيد عبد المالك بوضياف ثم عبد الغني زعلان إلى مولود شريفي فجلاوي ومؤخرا جاري بالترحيل، لكن الوعود لم تتجسد إلى غاية الآن. كما أكد لنا ممثلو هذا الحي بأنّ رأس العين لها برنامج قديم يعود إلى سنة 1986، عندما قرّرت السلطات المحلية القضاء على هذا التجمع الفوضوي، والقضاء على الحوض المائي الذي كان في طريق رأس العين المعروف تاريخيا باسم «الباسان»، من أجل إنجاز الطريق الحالي المؤدي من الحي العتيق سيدي الهواري إلى حي اللوز، فتقرّر تخصيص برنامج لترحيل سكانه وبدأت العملية بالفعل. وقد تم إحصاء سكانه بغرض القضاء عليه لعدة مرات، منها إحصاءات تمت في سنوات 1998 و2001و2008وآخرها 2021، مضيفين لنا بأن حي الصنوبر ككل كان من المفروض أن يستفيد من حصة بحوالي 11 ألف وحدة سكنية بالقطب العمراني لوادي تليلات، وأكبر نصيب منها وهي 6 آلاف وحدة كانت موجهة لسكان رأس العين، كما أقرّ ذلك الوالي الأسبق للولاية عبد المالك بوضياف في 2012، لكن تم تخفيضها إلى 1935 وحدة سكنية، ويجهل ممثلو الحي السبب في ذلك، علما أنه حسب ذات المصدر فإن مصالح الدائرة أحصت إلى غاية الآن 1435 ساكنا بحيين فقط، وهما أرض «لبون» التي إنتهت بها عملية الإحصاء، فيما لايزال التحقيق متواصلا بأرض باستور، ولم تصل لجان التحقيق إلى أرض «جاربو» و«ميراند»، وهي الأحياء التي تشكّل حي رأس العين العتيق، علما أن هذا الحي هو جزء من حي الصنوبر الذي يتكون هو الآخر من أحياء أخرى وهي رأس العين ولاسيتي وبلونتار. عقود ملكية مقابل عقود إيجار ملف السكن في وهران شائك للغاية، فهو بمثابة القنبلة الموقوتة التي يهابها الكثيرون، وقد أسفر تماطل بعض المسؤولين المتعاقبين على ولاية بحجم وهران في إيجاد حل حقيقي لهذا المشكل عن تراكمات كبيرة في هذا المجال، وتوارث الغبن الأبناء عن الآباء، بل ظهرت مشاكل أخرى أكثر تعقيدا في هذا المجال تخص من يملكون عقود ملكية لسكناتهم المرحلين منها إلى أخرى تابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري، حيث وجدوا أنفسهم مستأجرين مضطرين لتسديد أجرة الكراء كل شهر بعد أن كانوا ملاكا لمساكنهم. كما يطرح هؤلاء مشكل المساحة وعمن يعوّضهم أو كيف سيتم تسوية وضعيتهم، خاصة وأنّ الكثير من الشقق التي تم ترحيل أصحابها بوسط المدينة أو حتى الأحواش بحي الصنوبر والحمري وغيرها، يحوزون على عقود ملكيتها، ومساحاتها كبيرة تتجاوز المائة (100) متر مربع، بينما منحت لهم في المقابل شقق لا تصل مساحتها إلى 80 متر مربع. وفي جانب آخر يطرح هؤلاء المرحلين من مساكنهم المتواجد معظمها في قلب وهران مثل حي بلاطو والصنوبر والنصر وغيرها، إشكال إخراجهم من مدينتهم الأصلية التي ولدوا بها وترتبط مصالحهم بها إلى أطراف المدينة، خاصة عملية الترحيل الأخيرة إلى القطب العمراني 8آلاف سكن بوادي تليلات، التي تم تشييدها على أرضية تقع في مخرج وهران، بمحاذاة مدخل مدينة معسكر عن منطقة زغلول، في الوقت الذي إستفاد فيه في الأسابيع الماضية من شيّدوا بنايات فوضوية ببئر الجير من سكنات قريبة بحي بلقايد مثلا. إسترجاع أوعية عقارية مهمة وبنايات يمكن ترميمها عمليات الترحيل التي تباشرها السلطات المحلية منذ قرابة عقد من الزمن، سمحت بإسترجاع أوعية عقارية مهمة في أماكن إستراتيجية بمدينة متوسطية جميلة مثل وهران، يمكن للدولة إستغلالها في المستقبل من أجل مشاريع مهمة، سواء بإقامة أبراج سكنية ومهنية أو مؤسسات ومنشآت دولية. المشكل أن هذه المباني التي تتوفر على مساحات شاسعة، البعض منها تم إقتحامه مرة أخرى من قبل غرباء بغرض إستفادة القاطنين الجدد من عملية ترحيل جديدة في المستقبل، كما كان الحال في الأسبوع الماضي مع العمارات الكائنة بحي «سامبيار» وسط مدينة وهران، وبعضها الآخر يمثل خطرا حقيقيا على المارة بسبب وضع البناية الهشة كما هو الحال مع عمارة كائنة بحي البلاطو، مما ينبغي التدخل على الفور لتهديمها درء لأي حادث مأساوي مستقبلي. جهود كبيرة ومشاريع مهمة ومع كل هذه المشاكل التي تحيط بملف السكن بوهران، فلا أحد يمكنه أن ينكر المجهود الكبير الذي تبذله الدولة في مجال السكن في هذه الولاية، التي شهدت طفرة نوعية في هذا المجال خاصة ما يتعلق بصيغة الإيجاري العمومي، الذي ستسمح البرامج المستلمة بتوزيع مالا يقل عن 21 ألف وحدة سكنية خلال السنة الجارية، علما أنه تم إلى غاية الآن إستلام 14 ألف وحدة جاهزة للتوزيع، بينما من المرتقب أن يتسلم ديوان الترقية والتسيير العقاري لولاية وهران 7آلاف وحدة سكنية خلال السداسي الحالي. أما فيما يخص البرنامج الباقي إنجازه من الخماسي 20152019 المتعلق بإنجاز أزيد من 14 ألف سكن، فقد تم إستلام 4169 سكنا ويوجد 6979 قيد الإنجاز و2590 أخرى في طور الدراسة، وهذا دون إحتساب البرنامج الإضافي لسنة 2021 الذي يصل إلى 990 سكنا هو في مرحلة إختيار الوعاء العقاري الخاص به. وفي جانب آخر فقد تم الإنطلاق في أشغال ما يقارب 4384 سكن من بين 5058 وحدة سكنية كانت متوقفة منذ 5سنوات، فيما سيتم الإنطلاق في 674 وحدة أخرى قريبا. كما أنتهى ديوان الترقية والتسيير العقاري لوهران من توفير 38 هيكلا، فيما يوجد 10 أخرى في طور الإنجاز، و12 آخر قيد الدراسة وهذا من بين 64 هيكلا مبلغ للديوان. ومن بين الإنجازات الكبرى لديوان الترقية والتسيير العقاري نجد القطب الحضري 8 آلاف مسكن بوادي تليلات بجميع التجهيزات العمومية، متمثلة في 5 مجمعات مدرسية، وعدد مماثل من المتوسطات وثانوية واحدة، زيادة على باقي المرافق الضرورية من مركز للأمن الحضري وآخر للدرك الوطني ومكاتب للبريد.