تعتبر إنتخابات المجالس الشعبية المحلية سواء الولاية أو البلدية ثالث لبنة في البناء المؤسساتي الذي وعد به رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون خلال حملته الرئاسية، حيث كانت البداية بتعديل أسمى وثيقة في البلاد وهي الدستور، ليعقب ذلك حل البرلمان والإعلان عن انتخابات نيابية مسبقة، وهو ما تم بالفعل في 12 جوان المنصرم، ليعلن رئيس الجمهورية عن تنظيم انتخابات مسبقة في 27 نوفمبر المقبل من أجل تجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية، وهي أول إستحقاق محلي في ظل الدستور الجديد، وواحدة من مطالب الحراك المبارك الذي طالب بحل كل المجالس المنبثقة عن المال الفاسد و"الشكارة"، التي أتاحت الفرصة لمافيا حرمت المواطن من أبسط حقوقه، وفرضت عليه البيروقراطية، وجعلته يتخبط في عدة أزمات. هذه الانتخابات ستكون فيها فرصة كبيرة للراغبين في قيادة المرحلة المقبلة للبلاد وفق ما تقتضيه الديمقراطية التشاركية، سواء من عامة الشعب الذين سيترشحون ضمن القوائم الحرة، أومن ممثلي المجتمع المدني التي يعوّل عليها كثيرا بسبب المساحة التي أفردت لها في الدستور كشريك فاعل في السياسة الداخلية، أوحتى كأحزاب سياسية مهيكلة، تعتمد على الكفاءات وليس على المنطق "القبلي" و"العروشي" في إختيار ممثليها في هذه المجالس. فهذه الفعاليات عليها أن تعمل على إنتقاء مرشحيها، والإبتعاد عن ممارسات الماضي التي كادت أن تؤدي ببلادنا إلى التهلكة، وذلك من خلال إعطاء فرصة لشبابنا الجامعيين خاصة الذين تتوفر فيهم الصفات المكتملة ليقودوا هذه المجالس وخلق ديناميكية بها، مع مرافقتهم بالمتمرسين ممن سبقوهم ولا غبار على ماضيهم، مع التركيز على الكفاءات التي لم تشارك العصابة في مرحلة الفساد. لأن المرحلة جد حساسة وتتطلب قيادات بشخصية كاريزمية، من شأنها أن تعيد الثقة بين المواطن ومنتخبه المحلي، ويكون له متسع من الوقت ليس فقط من أجل تخصيص يوم في الأسبوع للإستماع إلى إنشغالاته، بل على مدار الأسبوع وتحقيق المستطاع منها، حتى يعود جسر الود بين الحاكم والمحكوم، فيتسنى للجميع أن يؤسس لمستقبل واعد لهذا الوطن. كما أنه ينبغي للمنتخب الجديد أن يتخلى عن الأساليب الإتكالية على الريع التي كثيرا ما جعلت هذه المجالس عاجزة عن إيجاد حلول ناجعة لمشاكلها الداخلية التي تفاقمت مع مر السنين، ولن يتمكن من ذلك إلا من خلال تعزيز الحركية الاقتصادية في إقليمه الذي يتولى إدارته، وذلك بمراعاته للخصوصية التي تتحلى بها المنطقة، وإستغلال أمثل للموارد الطبيعية والإقتصادية التي يتوفر عليها سواء في المجال الفلاحي أو السياحي وحتى الضريبي بهدف خلق ثروة محلية، في حدود ما يسمح له القانون به. لكن في المقابل فإنه على المواطن أيضا أن يكون هو الآخر طرفا إيجابيا في معادلة إختيار من يمثله في هذه المجالس، التي تعتبر القاعدة الأساسية لبناء ناجح في أي دولة تريد أن تتقدم وتزدهر، لأن القمة تعتمد على ما يأتي قبلها وهنا يكمن الدور المهم للمجالس المحلية ومن يمثلها، ودور المواطن في المشاركة في هذا الصرح الوطني المهم، إذ عليه أن يعطي صوته لمن يقدم له مشروعا سياسيا متكاملا يكفل التنمية المستقبلية لولايته أو بلديته، مما يحقق نجاحا مجتمعيا ينتفع به الجميع محليا ووطنيا، وينعكس حتى على سياستنا الخارجية، وليس على أساس المصالح الشخصية ومعرفة سابقة بالشخص أو محاباة أو لتحقيق هدف شخصي بالحصول على مكتسبات فردية كالسكن أو قطعة أرض أو فرصة عمل وغيرها حتى وإن كان على دراية بأنه يختار الشخص الفاسد الذي يهدف إلى خدمة نفسه وعائلته وليس مجتمعه ككل، خاصة في ظل ما يعانيه هذا المواطن من مشاكل تفتقد لأبسط الحلول بسبب عجز المنتخبين المحليين عن فعل ذلك، بداية بأزمة المياه فالسكن فغلاء المعيشة، والارتفاع المتواصل والجنوني لأسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع.