كشفت الصور والأشكال التي اعتادت منال صلاح فريد رسمها في حصة الفن بمدرستها عن موهبة، لفتت انتباه معلماتها، خاصة مربية التربية الفنية التي شجعتها على تطويرها وتعزيزها، فقسمت منال وقتها بين الدراسة والرسم، طموحها الأكبر، الذي تحقق بدراستها الفن التشكيلي في جامعة النجاح الوطنية، لتنطلق في مشوارها الفني الذي خصصت لقضية الاسرى ومعاناتهم حيزاً خاصاً فيه، فضلاً عن تكريسها قسماً من أعمالها للطبيعة. ولدت الفنانة التشكيلية منال صلاح فريد (أم علاء) في بلدة عرابة بمحافظة جنين، وتربت وترعرعت فيها، وتعلمت في مدارسها، وفيها أظهرت تفوقاً وتميزاً، وانتسبت لجامعة النجاح الوطنية تخصص “فن تشكيلي” ومنها حصلت على شهادة البكالوريوس. وتقول الفنانة منال فريد عن بدايات مشوارها: “كنت أحب الرسم وحصة الفن كثيراً، واعتدت على رسم الاشكال والاشياء بطريقة الخربشات (اسكتشات)، التي استرعت اهتمام معلماتي، خاصة مربيتي اللغة العربية والتربية الفنية. الجميع شجعوني على دراسة الفن لتميز لوحاتي ورسوماتي، لكن لم يكن متاحاً في عالمنا آنذاك كل هذا الانفتاح والفرص في التواصل والمعرفة، فاعتمدت على ذاتي في الاطلاع على تجارب وأعمال الفنانين التي ساهمت في تطوير قدراتي وتعزيز موهبتي، فازدادت رغبتي وحلمي بالتخصص في هذا المجال”. خطوات على الطريق تعبر الفنانة منال عن اعتزازها بموقف أُسرتها الداعم لها والتي ساندتها في رغبتها بدراسة الفن التشكيلي، وتقول: “لم أتوقف عن الرسم خلال فترة تعليمي في المدرسة، وكانت لوحتي الاجمل المتكاملة التي رسمتها في بداياتي على مقاعد الدراسة لوالدي رحمه الله. لم يُصدق كثيرون أنها من إنتاجي، لانها كانت تشبه والدي جداً”. وتضيف: “إصراري وتميز لوحاتي وشغفي الكبير بالرسم، حفز عائلتي على تشجيعي للاستمرار في هذا المجال وتشجيعي لدراسة الفن التشكيلي، فانطلقت بموهبتي بعشق وإيمان وحرص على أن أترك بصمتي الشخصية، التي بدأت تبرز بشكل تدريجي بعدما رسمت مجموعة من المناظر المستوحاة من البيئة عن الطبيعة الصامتة، والتي حظيت بإعجاب وتقدير الجميع”. تميز ونجاح بعد نجاحها في الثانوية العامة، وانتقالها الى جامعة النجاح الوطنية لدراسة الفن التشكيلي، كانت منال قطعت شوطاً كبيراً على طريق النجاح والتميز. وتقول: “لم تعد تفارقني أدوات الرسم، وكلما أُعجبت بشيء كنت أحوله الى لوحة فتية معبرة، وأصبحت متمكنة بمختلف أشكال وفنون الرسم المرتبطة بالاشياء الجميلة، وفي كل محطة يعجبني فيها شيء جديد لم أكن أتردد في خوض غمار تجربة الرسم أياً كان المجال، ودراستي للتخصص، ساهمت في تطوير قدراتي وفتحت أمامي طريق التوظيف والعمل، وفي الوقت نفسه، الاستمرار في إنتاج وتصميم اللوحات الخاصة بالمناسبات الوطنية والاجتماعية، كالمشاركة في يوم الأسير بلوحات تعبر عن قضية الأسرى وصمودهم ومعاناتهم”. تطور وإبداع بالممارسة العملية والمثابرة والعطاء، امتلكت الفنانة منال الخبرة والتجربة والمهارة التي هيأت أمامها فرصاً عديدة للمشاركة بمختلف المناسبات، ليس فقط بالرسم، وإنما بانجاز لوحات مجسمة، تعلمت واتقنت فنونها وتميزت بها، وحظيت بفرصة بالمشاركة في المسابقات التي تنظمها وزارة التربية والتعليم. وتقول منال: “لم يكن الفن مجرد هواية عابرة، بل هو فلسفة وإيمان بأهميته ودوره في التعبير وفي ترجمة المواقف وإيصال الصوت، فالصورة على اللوحة تتحرك لتصبح ناطقة بكلمات حقيقية، ومن خلال التجارب، تعلمت أساليب جديدة، منها اللوحات المجسمة بالحفر وبالفسيفساء لتميزها وجماليتها، وأصبحت أشارك كل عام في مسابقات المعارض التي تنظمها وزارة التربية، وتحظى بإعجاب وتقدير الجمهور”. وتضيف: “في إحدى المرات، نظمت التربية والتعليم معرضاً لوائياً وطلبت من كل معلم إنجاز لوحة فسيفساء مميزة، فشاركت بلوحة كانت صعبة جداً، تمثل الحياة القديمة لسيدة فلسطينية وهي محاطفة حيط بمجموعة من المنازل القديمة، لكنها تميزت بجماليتها ودقة التعبير، وقد شاركت بأفكار جديدة ومختلفة كل عام في المعارض اللوائية”. صور أُخرى رغم ما حققته من نجاح وتميز، فإن الفنانة والمربية منال واصلت مشوار البحث عن مزيد من التطوير والخبرات والمهارات لامتلاكها ولتعزيز بصمتها الفنية، فتعلمت أسلوب الرسم على لوحات من الجلد باشراف متخصصة، وتقول بهذا الشأن: “الفنان الناجح، يتحمل مسؤولية كبيرة لكي يُطور قدراته ويرفدها بفنون وأفكار جديدة، فقد تعلمت طريقة الرسم بقصاصات الجلد على لوحة، وكانت من أهم انجازاتي، لوحة للشهيد زياد ابو عون، كذلك أنجزت لوحة من الجبس عن أشياء تراثية قديمة”. وتضيف: “تميز لوحاتي منحها فرصة لتبقى معروضة بشكل دائم في مقر التربية والتعليم التي قدمت لنا كل الدعم والتشجيع، الذي تجلى مجدداً حين أتقنت فن الرسم على الزجاج حيث شاركت بست لوحات، تنوعت رسوماتها بين الاجواء الفلسطينية، خاصة عن مدينة القدس، وكل عام، نتلقى تدريبات على أساليب إبداعية لتصميم وإنتاج لوحات بخامات جديدة، ما ساهم في إكسابنا خبرات وقدرات جديدة، حصلت من خلالها على أفضل لوحة على مستوى وزارة التربية والتعليم “. لوحة فدوى طوقان وعكفت الفنانة منال على مدار عامين على تصميم لوحة للشاعرة الراحلة فدوى طوقان، وبهذا الشأن تقول: “تابعت ودرست كل اللوحات التي أنجزت لشاعرة فلسطين الكبيرة فدوى طوقان، وصممت على إنتاج شيء مميز ومعبر ومختلف، استناداً لتجربتي بدراسة أسلوب الرسم على الزجاج، وبعد عامين، اكتملت اللوحة التي جسدت شخصية الشاعرة طوقان، وأضيف اليها نبذة عن حياتها، وأحد معالم مدينة نابلس، كما كتبت عليها بعضاً من أشعارها الخالدة، وقد حصلت على التقدير والمرتبة الاولى، وخلال العام المنصرم، شاركت بمسابقة حول يوم المعلم، وقدمت فيها لوحة تظهر يد المعلم ومربي الاجيال كأنها جسر عبور للكتاب، وأظهرت المعلم كشمعة تنير المكان الذي يدخله (الصف المدرسي)، والحمد الله، فزت بالمسابقة للعام الثاني”. نجاح وأمنيات تعتبر الفنانة المربية منال فريد كل نجاح تحققه تجسيداً لطموحاتها الكبيرة وثمرة لحبها للفنون وتقول: “نجاحاتي المتتالية هي نتيجة حبي الكبير لعالم الفن وإبداعي في كل ما أرسمه، فالنجاح لا يأتي دون كفاح وإرادة وتعب وتحد، وهو أكبر تشجيع لي على الاستمرار في طريقي والمشاركة في المسابقات التي توصلنا لقطف ثمار النجاح”. وتضيف: “أتمنى تمثيل فلسطين في مختلف المحافل، وإيصال رسالة للخارج، تعبر عن قدرات وإمكانيات شعبنا على خوض المعركة، لنواصل استثمار كل الامكانيات، بما فيها الفن الذي يعتبر أرقى وافضل أشكال التواصل بين الامم والشعوب، فنحن باقون على أرضنا وصامدون عليها، مهما مارس الاحتلال من سياسات، ونجاحاتنا وعلمنا هو سلاحنا أمام هذا الاحتلال والحصار. نحن محاصرون، ولكن عقولنا حرة وإرادتنا قوية وأقلامنا ولوحاتنا تؤرخ تاريخنا وتعبر عن أصالتنا وارادتنا بالاستمرار والحياة، فهم يأسرون الارض لكنهم لن يتمكنوا من تقييد وأسر العقول والافكار والاقلام ولوحات الوطن الجميلة التي تفيض حرية وعدالة وأملاً” .