مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة قال فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس في تصريحات صحفية ان الوقت قد حان للاستماع الى أنات ونداءات الاسرى والإحساس بمعاناتهم ومعاناة أبناء عائلاتهم وإبقاء هذا الملف مفتوحا امام كل المحافل الدولية وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وأسراه . واطلق ابو الحاج نداء باسم المركز للوقوف الى جانب الاسرى بعد الهجمة الشرسة لإدارة السجون ضد الاسرى . يواصل مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس نشر تجارب الحركة الأسيرة الفلسطينية النضالية داخل وخارج المعتقلات الإسرائيلية وذلك لتوثيق هذه الملاحم البطولية للاجيال القادمة. وفى هذه الحلقة يوثق تجربة الاسير المحرر محمد السلامين. الأسير المحرر محمد السلامين.. سيرة ومسيرة أنا محمد عبد الواحد عبدا لله السلامين مواليد الثامن من شباط عام 1960 من بلدة السموع – الخليل و حاليا أقيم في محافظة رام الله، بدأت تجربتي عندما كنت طالبا في الأردن وقد عدت قبل الاعتقال وتسلمت مهمة تنظيمية في حركة فتح منسقا للجنة الشبيبة للعمل الاجتماعي في بلدتي، حيث كنت في تلك الفترة اعمل عاملا بسيطا لكسب قوت يومي، ونتيجة لنشاطي في حركة الشبيبة والتي كانت تشكل التنظيم السياسي لحركة فتح، أقدمت المخابرات الإسرائيلية على اعتقالي، كان ذلك بتاريخ 23/6/ 1984، حيث حضرت قوة عسكرية كبيرة يرافقها ضابط مخابرات المنطقة ليلا ويرافقهم مختار القرية، حيث قام الجيش بتفتيش البيت عامدين إلى تخريب الأثاث والممتلكات، هادفين بالدرجة الأولى التنكيل، حاول ضابط المخابرات ضربي أمام أسرتي إلا أن والدي تصدى له ومنعه من الاعتداء علي في البيت مما رفع من معنوياتي وشد من أزري، وتم اقتيادي إلى مركز التحقيق في سجن الخليل . كان التحقيق قاسيا جدا وقد مورست ضدي أنواع من التعذيب مثل الشبح لساعات طويلة وتبادل صب الماء البارد تارة والماء الساخن تارة أخرى، واستمرت فترة التحقيق معي ستين يوما، وخلال تلك الفترة نقلت للتحقيق في مركز تحقيق المسكوبية، مكثت فيها مدة أسبوع، وقد كنت ضمن مجموعة المعلمين وكنت الطالب الوحيد بينهم . بعد انتهاء فترة التحقيق تم إيداعي في سجن الخليل حيث استقبلني المرحوم ابو ناصر الشوبكي وابن عمي جمال السلامين و سالم ابو صالح وهذا ما ساعدني للتأقلم سريعا من خلال نوعية الأسرى أصحاب التجارب الاعتقالية الطويلة، وفي تلك الفترة كان ممثل المعتقل سامي الحلو الذي التزمت على يديه في تنظيم فتح في السجن، إلى أن أفرج عني بتاريخ 23/6/ 1984بعد أن أمضيت عاما كاملا في الاعتقال . أعيد اعتقالي بتاريخ 8/11/1986 بعد عامين ونصف تقريبا من خروجي من السجن، وفي هذه المرة تم اقتيادي إلى معتقل الفارعة للتحقيق الذي كان قد افتتح عام 1983 حيث كان التحقيق يتم في إسطبلات الخيل التي كانت يستعملها الجيش الأردني، كان التحقيق قاسيا وكان التنكيل بشكل يومي حيث أن معظم المعتقلين كانوا من صغار السن والمراهقين، مكثت فيه مده شهرين إلى أن أفرج عني بتاريخ 5/10/1985 . بعد اقل من عام أعيد اعتقالي مرة أخرى بتاريخ 8/11/1986 كانت هذه التجربة قاسية جدا واستمر التحقيق معي لمدة ثلاثة شهور أمضيتها كلها في الزنازين . كان التحقيق في غاية القسوة ضرب وشبح إضافة إلى الضغط النفسي، شعرت في بعض الأحيان وأنا مغمى العينين أن الذي يقوم بضربي شخص عربي، وفيما بعد علمت أن مجموعة من العملاء الذين يطلق عليهم (العصافير ) هم من يقومون بالاعتداء على المعتقلين في التحقيق بتعليمات من ضباط التحقيق الإسرائيليين . لقد تعرضت أثناء التحقيق لعدة محاولات لاستخدام أسلوب الخداع من العملاء في الزنازين، حيث تم إدخال احدهم الى زنزانتي، مكثت وإياه مدة أسبوعين في زنزانة واحدة، ساورتني الشكوك في الرجل، ورفضت أن أتبادل معه الحديث, رغم محاولاته المتكررة، وبعدها نقلنا معاً إلى سجن مجهول، استقبلنا فيه مجموعة من المعتقلين لم اعرف اياً منهم، كان كلهم غرباء علي، كانت تراودني فيهم الشكوك، وأثناء وجودي بالحمام استرقت السمع، وعرفت أنني بين مجموعة من العملاء "العصافير" بعد ذلك قاموا بالتحقيق معي، تعرضت منهم للضرب المبرح، وبعد تلك الرحلة تم إعادتي للزنزانة حيث أعادوا العميل إلى زنزانتي مرة أخرى، افتعلت معه مشكلة وقمت بضربه في الزنزانة مما أدى إلى نقلة من زنزانتي، بعد ذلك تم نقلي لزنزانة أخرى وهناك التقيت بالأخ جميل المطور ومحمود المطور وبقينا معا فترة قصيرة حتى تم إنزالي على المحكمة في سجن رام الله . في سجن رام الله استقبلني الشهيد زياد ابوعين والذي كانت تربطني به علاقة قوية وكذلك المرحوم ابو جمال النجار وحماد كعابنه وزهير المهاينه وعمران الأطرش وخضر خاطر ووليد وهدان وحسني شراكه وآخرين . تمت محاكمتي في المحكمة العسكرية في سجن رام الله وجلست أكثر من ست مرات، تشكلت محكمتي من ثلاثة قضاة وترافع عني في تلك القضية المحامي علي غزلان من القدس، وقد حكم علي السجن الفعلي لمدة خمسة وعشرين سنة . خلال فترات اعتقالي خضت عدة إضرابات عن الطعام،كانت المرة الأولى في سجن الخليل، كان الإضراب لمدة عام عن زيارة الأهل، حيث أنني لم احظ بأي زيارة خلال اعتقالي الأول، هذا إضافة الى إرجاع وجبات الطعام بين الفينة والأخرى احتجاجا على المعاملة أو نقص الطعام، وكان المطلب الرئيسي للإضراب عن الزيارة إزالة الجدار الفاصل بين فورة قسم (أ) وقسم (ج)، وعندما تم وقف الإضراب لم تستجب إدارة السجن لمطلب إزالة السور وتوسيع ساحة المعتقل إلا انه تم تحقيق بعض المطالب الأخرى مثل تحسين نوعية والطعام وزيادة كميته وزيادة مبلغ الكانتين وزيادة مدة الفوره والسماح بإدخال القرطاسية وتحسين مكان الزيارة وإنهاء العزل والعقوبات. أما في الاعتقال الأخير وأثناء وجودي في معتقل رام الله فقد خضت إضرابا عن الطعام لمدة ثمانية عشر يوما حيث كان هذا الاضطراب شاملا لعدة معتقلات، وفي ذلك الإضراب قامت إدارة السجن بإجراء تنقلات تعسفية حيث تم نقلي إلى سجن الخليل، وفيه واصلت اضطرابي عن الطعام، وبعد يومين أعيد نقلي مرة أخرى الى سجن رام الله وتم نقل الأخ زياد ابو عين من سجن رام الله الى الخليل، وكذلك تم نقل مجموعة أخرى الى سجن جنيد حيث كانت تتركز فيه قيادة السجون التي هي صاحبة الصلاحية في تقرير مصير الإضراب . لقد كان لفترات الاعتقال أثرها علي علميا وثقافيا وفكريا حيث صقلت شخصيتي ومنحتني إيمانا مطلقا بحتمية دحر الاحتلال وضرورة مقاومته، وزادت من الوعي الوطني للأسرى الذي كان ألاساس في تجسيد لروح الوحدة بين أبناء التنظيم الواحد من جهة، وبناء أصول الشراكة الحقيقية بين جميع فصائل العمل الوطني داخل الآسر . كانت الثقافة والتعليم جزء أساسي من الحياة داخل المعتقل، فقد كانت تدار ضمن برامج معدة من التنظيمات لتعليم الفكر والايدولوجيا لعناصر التنظيم في المعتقل إضافة إلى القراءات الذاتية للأفراد كل حسب رغبته، وخلال فترة اعتقالي قرأت الكثير من الكتب في مجالات مختلفة إضافة إلى الفكر الحركي وايدولوجيا التنظيمات الفلسطينية الأخرى . خلال فترات اعتقالي تسلمت العديد من المهام التنظيمية فقد انتخبت لأكثر من مرة عضو مجلس ثوري وتسلمت موجها أمنيا وثقافيا في القسم في سجن الخليل .وفي سجن رام الله انتخبت موجها عاما إلى أن تم نقلي الى سجن الخليل، وفيه انتخبت عضوا في اللجنة المركزية وتسلمت مهمة موجها عاما إداريا للتنظيم ومسئول تحرير عن مجلة فلسطين الثورة، إضافة إلى موجها أمنيا في القسم . التقيت خلال فترة اعتقالي بالعديد من الشخصيات الذين تأثرت بها وتعلمت منها مثل الأخ جبريل الرجوب وعصام ابو بكر وجمال السلامين وعيسى خلايلة وسامي الحلو وعيسى ابو عرام ومحمد حسن فقوسه ومحمد المصري وعبد المجيد السويطي واحمد سلهوب والمرحوم نظمي المرقطن والشهيد زياد ابو عين وحسين الشيخ وعمر الحروب، وبرغم ما تمتعوا به من ميزات، إلا أنني بقيت محتفظا برؤيتي الخاصة في العمل بعيداً عن التقليد والتماهي مع الآخرين . وفي هذا السياق فأنني أسوق هذه الحادثة في سجن الخليل حيث كان الأخ حسين الشيخ ممثلا للمعتقل يقيم بغرفة رقم واحد في قسم (ج ) وذات صباح قامت إدارة السجن بإحضار قوة من شرطة قمع السجون مدججين بالهراوات والغاز المسيل للدموع وقاموا باقتحام غرفه رقم ( 1) وانهالوا بالضرب على الأسرى، كان بينهم المرحوم ذياب العكيمي وكان رجلا مسننا، فقد كسرت يده،، وهو يحاول الدفاع عن الشباب، حيث قام بإلقاء جسده عليهم لحمايتهم من الهراوات، كان من بينهم حسام قنداح من بلدة أبو شخيدم قضاء رام الله وشاب اسمه نعمان من مخيم الجلزون، فقد سالت دمائهم في ساحة السجن، وكان حسين الشيخ وأبو عصام الخطيب يشاهدون القمع من خلال نافذة غرفتهم، وبدءوا بالصراخ واستجاب السجناء لصراخهم وبدأ كل السجن يعلو صوته بالصراخ والهتاف ولأكثر من ساعتين والمعتقل كله تحت حالة القمع . وفي حادثة أخرى كنت أنا والأخ بركات مر من يطا، حينها كنت اعمل في المردوان وبعد الغداء قمنا بشطف الساحة، حيث كنت أوزع الماء الساخن على الغرف، سمعت الأخ بركات يتجادل مع الشرطي، والشرطي يحاول اخذ البريد منه، والبريد هو عبارة عن رسائل يتم من خلالها نقل المعلومات والتعليمات بين التنظيمات والأفراد أو العكس، استغل الأخ بركات مر وجودي ورمى البريد باتجاهي حيث قمت ببلعه في فمي وعلى اثر ذلك استدعت إدارة السجن الجيش حيث تم إخراجنا إلى إدارة السجن إضافة إلى الرفيق عمر عبد ربه ممثل الجبهة الشعبية من مخيم الدهيشة،وعندما وصلنا الإدارة بدأ عراك بيننا وبين الشرطة لرفضنا التفتيش العاري، حيث قمت بضرب شرطي بقدمي على وجهه وكسر له سنين، بعدها تم الانقضاض علينا وتعريتنا بالقوة وتفتيشنا تفتيشا دقيقا وبعد ذلك تم نقلنا للمستشفى لتلقي العلاج، ومن ثم وضعونا نحن الثلاثة في الزنزانة، وقام السجن بالاحتجاج على عقابنا وتم إرجاع وجبة العشاء وتم التفاوض مع ممثل السجن حسين الشيخ وبعد أسبوع تمت إعادتنا إلى السجن بعد الاتفاق مع ممثل السجن على عدم محاكمتنا في قضية الاعتداء على الشرطي .