التفاعل مع الأحداث اليومية : صاحب القلب الحي إذا رأى ظلمة حسبها ظلمة القبر ، وإذا وجد لذة ذكر نعيم الجنة ... ، وإذا صرخ من ألم خاف عذاب النار ، وإذا شمَّ شواء ذكر جهنم ، وإذا رأى ضاحكا على معصية رقَّ لحاله في الآخرة ، وإذا رأى مطيعا على فاقة استبشر بنعيمه في الجنة. كان عمر بن عبد العزيز من أرباب القلوب الحية وكان واقفا مع سليمان بن عبد الملك ، فسمع سليمان صوت الرعد فجزع ووضع صدره على مقدمة الرحل ، فقال عمر وهو المعتبر المتدبر بكل ما حوله : هذا صوت رحمته فكيف إذا سمعت صوت عذابه؟! ومثله الحسن البصري الذي روى عنه سلام : " أُتي الحسن بكوز من ماء ليفطر عليه ، فلما أدناه إلى فيه بكى ؛ وقال : ذكرت أمنية أهل النار؛ قولهم : ﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾، وذكرت ما أُجيبوا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، إن حياة القلب تمنح العين حياة فوق الحياة وبصيرة فوق البصر ، فإذا هي مثل عين أبي الفرج بن الجوزي الذي أبصر وتبصَّر فقال حاكيا إحدى تأملاته التي لا يدركها إلا من كان مثله : " رأيت كل من يعثر بشيء أو يزلق في مطر يلتفت إلي ما عثر به فينظر إليه طبعا موضوعا في الخلق ، إما ليحذر منه أن جاز عليه مرة أخرى أو لينظر - مع احترازه وفهمه - كيف فاته التحرز من مثل هذا ، فأخذت من ذلك إشارة وقلت : يا من عثر مرارا .. هلا أبصرت ما الذي عثَّرك فاحترزت من مثله ، أو قبَّحت لنفسك -مع حزمها- تلك الواقعة " . قراءة الرسائل الربانية : وصاحب القلب الحي إذا وفّقه الله لطاعة سأل نفسه : بأي عمل صالح أثابني الله بهذه الطاعة؟ أبدعوة إلى خير أم بصلاة ليل أم بسعي في حاجة مسلم أم بعفو عن مسيء أم بإنظار معسر؟! فيراجع شريط ذكرياته ليُكرِّر صالح أعماله فينعم بنفس الثواب مرات كثيرة ، وقد جعل الله ثمارا عديدة تربو على الخمسين لمن حرس ثغور قلبه من عدوه ، ولم يُدخِل منها سوى الحسنات الموالية للقلب والعاملة على مصلحته ومنفعته ، لكن قضى الله أن لا يتذوق لذة هذه الثمرات إلا من زكى قلبه وسمت روحه.