الحلقة 12 بعد أن استطاع الاخوان المسلمون في مصر الوصول إلى الحكم من خلال النضال السياسي الدستوري الذي أفنوا حياتهم فيه ولم تصل أيديهم يوما إلى استخدام العنف على طول مسيرتهم التاريخية البيضاء، نتعود تهمة العنف والإرهاب لتلصق بهم رغبة من بعض الفاعلين الإعلاميين والسياسيين في تضليل الرأي العام، رغم أن اغلب تصريحاتهم الاعلامية تدين العنف وتتمسك بسلمية التغيير والإصلاح الذي يحمله تيار الإخوان المسلمين في كل العالم. القاصي والداني يشهد أن الانقلاب الأخير في مصر على الشرعية الدستورية كان غير قانوني وغير ديمقراطي وغير شرعي دستوري، إلا أن بعض الأوساط ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية عرابة الديمقراطية في العالم، ماتزال إلى اليوم، تأخذ وقتها حتى تتمكن من توصيف ماحدث في مصر وتتجنب إصدار الموقف رغبة منها في توفير هامش من الحرية لتمرير وصف الإرهاب والعنف بتيار واسع في مصر، يقف اليوم في الميادين منددا بما حدث، وتأتي مجزرة الحرس الجمهوري كشاهد عيان ودليل إدانة لمن انقلب على إرادة الشعب المصري التي اعترف بها كل العالم ثلاث مرات على التوالي، انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية. لكن الغرب ومن لف لفه، يبدو أنه مايزال يتعاطى مع موضوع الاسلاميين باستراتيجية (هؤلاء إرهابيون عنفيون)، حتى يتمكن من إدخال المنطقة في حروب أهلية تشجع على استخدام السلاح واللاستقرار ليعالج مشكلاته الاقتصادية والمالية التي بلغت الذروة. من التهم الجاهزة التى ألصقت بالإخوان ولا زالت تهمة استخدام العنف أو الإرهاب، وحين تذكر جماعات العنف المسلح فى عصرنا، يسارع ذوو الغرض والهوى لإدخال جماعة الإخوان فيهم، وهذا لعمرى كما يقول الشيخ الدكتور القرضاوي، من الاعتساف والتحريف والظلم المبين الذى لا يخفى على دارس منصف، فالإخوان من الناحية النظرية لم يجيزوا استخدام القوة المادية إلا فى مجالات معينة وبشروط واضحة، بيّنها الإمام البنا فى رسائله بوضوح كما في رسالة المؤتمر الخامس وغيرها، ومن هذه المجالات: مقاومة الإحتلال الإنجليزى لمصر والإحتلال الصهيونى لفلسطين. وقد اشترك الإخوان بالفعل فى قتال الصهاينة سنة 1948م في حرب فلسطين وكان لكتائبهم دور مشهور، وبطولات قارعة رائعة، وشهداء أطهار أبرار شهد لهم بها رجال كبار من قادة الجيش المصرى وإن كان جزاؤهم بعد ذلك أنهم أخذوا من الميدان إلى المعتقلات، كما كان لهم دور معروف غير منكور فى معارك القناة، حيث شارك شبابهم فى الجامعات والأزهر وغيرها، وكان لهم شهداء معروفين، وكان لاستخدام العنف في غير الميدان دور محدود قصد به ضرب المصالح اليهودية والبريطانية ردا على المجازر الهائلة التي وقعت في فلسطين على أيدى العصابات المسلحة التى استباحت كل المحرمات. فما عُرف عن الإخوان أنهم قتلوا سائحا أو اعتدوا على قبطى، أو قتلوا امرأة أو طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا، كما شاهدنا ما يفعله هؤلاء الوحوش الذين يذبحون الناس بأبشع الآلات وأشنع صور القتل ولا يتورعون عن قتل النساء والولدان والزراع والرهبان، ممن لا ناقة لهم فى حرب ولا جمل، لا نعجة ولا حمل!. فمن غير المقبول والمعقول: أن يلحق الإخوان بهؤلاء المفترسين، وهناك حوداث معروفة من أعمال العنف منسوبة إلى الإخوان لها ظروفها وملابساتها: ومن العدل أن توضح في إطارها الزمنى، فقد كان الاغتيال السياسى معروفا عند الوطنيين منذ اغتيال بطرس باشا غالي، وأمين عثمان وغيرهما، وكان الرئيس السادات ممن اتهم في مقتل أمين عثمان، فمن ذلك: حادثة قتل القاضى الخازندار في ظروف معروفة زينت لبعض الشباب المتحمس أن يقتلوا هذا القاضي، ولم يكن ذلك بأمر الأستاذ البنا ولا بإذنه أو علمه، وقد استنكر وقوع هذا الحادث ومن الإنصاف أن يوضع الحدث في ظرفه الزمني مقرونا بالباعث عليه، حتى لا يأخذ من حجمه، ولم يتكرر هذا من الإخوان قط، ولم يفكروا فى أخذ ثأرهم حتى من القضاة العسكريين الذين حكموا عليهم أحكاما لا يشك إنسان موضوعي أنها قاسية ظالمة. وبعد ذلك كان قتل النقراشي، رئيس الوزراء والحاكم العسكرى الذى يحمل تبعة (حل الإخوان ) واقتيادهم إلى المعتقلات بالآلاف وتعرضهم للتعذيب والفصل والتشريد والتجويع، حتى الذين كانوا يقاتلون الصهاينة فى فلسطين نقلوا من الميدان إلى الاعتقال، فقام شاب من الإخوان بمساعدة بعض زملائه في (النظام الخاص) بقتله، وهو ما حاول الأستاذ حسن البنا الحيلولة دون وقوعه ولقى بعض الرجال المسؤولين وحذرهم من أن يتهور بعض شباب الإخوان ويحدث ما لا تحمد عقباه، فقالوا له بعبارة صريحة، ماذا يفعلون؟ سيقتلون رئيس الوزراء ليكن إن ذهب عير (أي حمار) فعير في الرباط!. وقد استدعى الأستاذ البنا بعد مقتل النقراشي وحقق معه، ثم أفرج عنه إذ لم تثبت أية صلة له بالحادث. والحادثة الثالثة: محاولة نسف محكمة الاستئناف التي كانت تضم أوراق قضايا الإخوان، وهو الحادث الذي أغضب الأستاذ البنا كثيرا وجعله يسارع بإصدار بيانه الشهير الذي نشرته الصحف، وفيه يقول "هؤلاء ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين!"