في مبادرة إبداعية هي الأخرى، تتواصل جهود الإعلامي الناشط، والمخرج السينمائي اليمني، حميد عقبي، لإنجاح عملية إنجاز فيلم وثائقي بفكرة مختلفة، ينقل فيه معاناة الشعب اليمني مع الحرب، حيث وفي حوارنا معه ناقشنا تفاصيل العمل وكذلك كواليسه، إذ ورغم كل المعيقات التي تواجه ضيفنا، إلا أن إرادته وإصراره على إيصال صوت ضحايا الحرب، لتحريك الرأي العام من أجل إيقاف الحرب، تدفعه في كل مرة إلى الاستمرار.. حاورته: سارة بانة كيف ولدت فكرة فيلمك اليمن في 100 دقيقة؟ ولدت الفكرة مع شعوري بالعجز على السفر وتصوير فيلم وثائقي يرصد فجائع الحرب في اليمن، والتي لم يتوقع أحد حدوثها أو أن تستمر لكل هذه السنوات. وضعي كلاجئ سياسي يحرمني من السفر إلى اليمن، وكذلك لصعوبة وتجمد بعض المشاريع مع شركاء أجانب لأسباب كثيرة جدا ومخاطر أمنية كثيرة، لذلك فكرت أن أدعو الناس والطلبة والصحفيين والنشطاء إلى مشاركتي الفيلم، عبر تصوير مقاطع فيديو قصيرة بكاميرات هواتفهم المحمولة أو أي وسيلة، وأن يتم إرسالها لي عبر “الواتساب” أو البريد الإلكتروني، وكذا وجهت دعوة عامة للذين هم خارج اليمن لأن يرسلوا دعوات سلام وتضامن مع الشعب اليمني. خطتي تسير في المرحلة الأولى، وهي استقبال المشاركات إلى منتصف شهر جانفي 2019، وكذا الاستمرار في الترويج الإعلامي للمشروع حتى تصل الفكرة إلى الناس. ورغم وجود نشر إعلامي يسير بشكل جيد إلى حد ما، فقد تم نشر أخبار في أكثر من 20 موقعا صحفيا وعدة صحف ورقية في لندن ومصر والجزائر، ولكن لم ينشر الخبر بصحف ومواقع يمنية، فقد تم نشره فقط على موقع صحيفة “الوحدة” ولا أدري ما السبب رغم مراسلتي لمواقع يمنية تعرفني جيدا وبعضها يتابع نشاطاتي. أعلم أن الناس في اليمن لا تثق كثيرا بأغلب المواقع الإعلامية اليمنية، والكثير منها أغلق أو محجوب وما بقي مصاب بالضعف أو منحاز لأحد أطراف الصراع، لذلك أتمنى أن تتاح لي فرصة شرح المشروع وطريقة المشاركة عبر وسائل مرئية يكون موقفها موضوعي وغير منحاز لطرف. ما الذي تريد تصويره بالضبط؟ انطلقت الفكرة منذ الأول في نوفمبر الماضي، وأجد الآن تفاعل عبر اتصالات أتلقاها من الراغبين في المشاركة وطرح استفسارات، ومنهم من يعرض فكرة وموضوع ويناقشني في كيفية التصوير. طالبت بتصوير مشاهد حياتية واقعية للناس في الشارع والمستشفيات والأسواق والمدارس ومخيمات النزوح، وتصوير حكايات الحياة وما فرضته الحرب من تعقيدات ووجع، وأرحب بمن يريد تصوير لحظات سعادة، مثلا عرس أو لعب الأطفال بالشارع أو فنان يغني. ما أتمناه أن تتوفر لنا مادة غنية ومتنوعة وثرية تغطي ولو واحد بالمائة من الواقع، كون اليمن يعيش واقعا متجددا يتعاظم فيه الألم مع كل ساعة حرب، وتوجد آلاف الحكايات المؤثرة، وما نسعى إليه لا يلغي أي مشروع سينمائي وثائقي مستقبلي، بل يفتح شهية القنوات والمخرجين لإنتاج عشرات الأفلام في اليمن. أين وصل المشروع؟ وصلتني ما يقرب من 70 مشاركة، بعضها قصير جدا جدا، وبعضها مدهش ومناسب، وهناك جزء توجد به مشاكل. وصول مشاركات من ناس لا أعرفهم يعني أن الفكرة تصل ونحتاج لتوصيلها بوسائل مرئية، وتمديد فترة استقبال المواد ضروري جدا. فيلم سينمائي يختلف عن التقرير الخبري وهذا ما يجب فهمه، فيلم وثائقي يحتاج لطول نفس وصبر، خصوصا طريقة تصويره المختلفة، أي تعتمد على مشاركات من أناس تفصلني عنهم الجغرافيا، وأناس يعيشون كارثة الحرب والجوع وأبسط مكونات الحياة، وعزلة وحصار، فهم خارج الكون والحياة. ماذا عن العوائق؟ أكبر عائق هو ضعف الأنترنت في كل المحافظات اليمنية، وأيضا عدم وجود كهرباء، مما يجعل مجرد شحن الهاتف مشكلة كبيرة جدا. العائق الأكبر هو الخوف من التصوير بالشارع، وعدم السماح بالتصوير في المستشفيات والمدارس. أخبرني أحد المشاركين من صنعاء أنه يخاف تصوير الشارع، فربما تمسك به دورية ويصادر تلفونه، وقد يتهمونه بالتخابر أو الخيانة. توجد أيضا مشكلة أن الناس تخاف من التصوير أو بعضهم يحتاج لتشجيع مادي ولو رمزي، والمشارك قد يكون لا يملك المال، ونحن كشعب يمني لا نحبذ تصوير النساء، وقليلات جدا من لديهن شجاعة الحديث أمام الكاميرا. كنت أظن أن نشطاء وناشطات في الداخل اليمني سيدعمون ويشاركون، ولكن اكتشفت أن غالبيتهم لا يعملون مجانا ودون أجر، وأن كلامهم على مواقع التواصل الاجتماعي يحوي الكثير من الكذب، ولو دفعت لهم سيتحركون، وتجد أن الصور ومقاطع الفيديو على صفحاتهم منقوله من قنوات أو صحف. للأسف، بمرارة أقول أغلبية نشطاء وناشطات اليمن يتحركون ويتفاعلون بالدولار، وشعاراتهم كاذبة وتجدهم ينحازون لمن يدفع لهم، ولا يعبرون عن ألم الناس، لذا أعتمد على البسطاء من الناس. لا يوجد ثراء صوري يظهر ويكشف ما حدث ويحدث، فمثلا الأزمة السورية تفاعل معها العالم لضخامة ما نشره من صور وفيديوهات، وماتزال حاضرة لما ينشر من مواد صورية كثيرة كل لحظة. في اليمن لم يحدث ذلك، وهناك فقر وشحة صورية، وتجد الفضائيات تكرر وتعيد الصور نفسها. بدأت الفكرة مع تعقيدات ميدانية مرعبة وشلل في شبكة الأنترنت وخوف مسيطر. كذلك تجد أحدهم يتحمس معك ولكنه يريدك أن تتصل به وتتابعه، وهناك من يخلف وعده، ورغم هذه الصعوبات إلا أن هناك أشخاص أجد في كلامهم الصدق، لديهم مواد مصورة وينتظرون تحسن الأنترنت، وما يفرح أيضا أن تتلقى مواد من أناس سمعوا عن الفكرة وتجاوبوا معها. من هي المؤسسات الداعمة؟ حاليا أعمل بجهد ذاتي على حسابي لتجميع المواد واستقبال المشاركات. في مرحلة المونتاج الأولية، وجدت وعدا لدعمها من منظمة التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات (عدل) بباريس، وهي منظمة حقوقية دولية يرأسها “د.محمد اسماعيل الشامي”. المرحلة الأخيرة والمونتاج والترجمة ستحتاج لتكاليف أكثر، ولدينا اتصالات جارية، ومع نجاح المرحلة الأولى وجمع المشاركات أعتقد أننا سنجد الداعم، لا أظن أن أجد دعما كبيرا، وما يهمني هو نجاح المشروع وليس الربح. أين سيعرض العمل؟ خروج العمل للنور، وهو فيلم غير ربحي وحقوقي، نأمل عرضه بمنتديات ومنظمات حقوقية دولية، ونتمنى أن يكون وثيقة حقوقية صادقة لأنه من تصوير البسطاء من الناس دون زخرفة ولا مبالغة، ومن ثم نعرضه في مهرجانات وفعاليات، ولم أفكر بعرضه التجاري، والفيلم وثائق يصور بطريقة جديدة، وقوته تكمن في أنه يأتي من الناس البسطاء بعدسة هواتفهم البسيطة، ولن نقبل بأي مادة سبق نشرها، ولن نأخذ من ما بثته القنوات.