دق خبراء الطاقة الذين استطلعت ” الحوار” أرائهم حول أثر تهاوي أسعار البترول إلى ما دون 70 دولارا، على الاقتصاد الوطني طبول الخطر، ، إذا لم تتحرك السلطات المعنية إعادة النظر في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الحالية للحفاظ على احتياط الصرف، الذي يواصل تآكله في السنوات الأخيرة، مما عطل الآلة الاقتصادية، نتيجة غياب إستراتيجية واضحة المعالم ونية للنهوض بالاقتصاد الوطني. هبوط النفط يستحضر مشهد درامي المريع لانفجار السعري وفي الإطار ذاته، قال الخبير الطاقوي الدكتور بوزيان مهماه في تصريحه ل ” الحوار” ينبغي التذكير بأن الخام النفطي مزيج صحاري الجزائري، كان قد أنهى العام الماضي مساره السنوي بمتوسط 71,44 دولار للبرميل، لكنه في المقابل كان قد باشر بداية هذا السنة بوتيرة محتشمة، ليبدأ سنته الجديدة عند سعر 59,30 دولار أمريكي، ثم شهد بعد ذلك صعودا متذبذبا وبطيئا ليصل إلى مستوى متوسط 66,38 دولارًا في شهر مارس، ثم متوسط شهري ب 71,15 دولارًا للبرميل في شهر أفريل، ثم ليتجاوز في قيمته سعر البرنت القياسي بأزيد من تسعة (9) دولارات، ليسجل يوم 16 ماي المنصرم سعر 74,19 دولار للبرميل، ثم ليتهاوى سريعا لينزل الآن إلى 64,79 دولار أمس (الفاتح جوان)، ليعود بذلك إلى مستويات بداية شهر مارس الماضي، في مشهد درامي يستحضر لنا المشهد المريع لإنفجار “الفقاعة السعرية” في الربع الرابع من السنة الماضية، و الأمر الذي يجعلنا نتوجس خيفة هو تسجيل خام البرنت القياسي العالمي أمس بعد الظهيرة (31 ماي) سعر في مستوى الحضيض ب 61,61 دولار للبرميل .
هذا ما أضعف الميزان التجاري الخارجي وأكد بوزيان مهماه أن هذا التراجع المريع سيلقي بظلاله على وضعنا الاقتصادي الذي يعيش صعوبات جمة بكل تأكيد، كون اقتصادنا يعتمد بشكل أساسي على صادراتنا من المحروقات، مع بقاء صادراتنا خارج المحروقات هامشية، بالإضافة أن المشتقات النفطية تمثل ما نسبته 60 في المائة منها، وأيضا بقاء أسعار الغاز تقبع في منطقة الحضيض في الأسواق العالمية، وواصل يقول: لن أضيف جديدا على ما صرحت به في أوقات سابقة، بأن العجز الأول في منظومتنا الاقتصادية يكمن في العجز في ميزان التجارة الخارجية، حيث يشهد ميزانها عجزا مزدوجا محكوما بأمرين: الأول يتمثل في عدم تمكننا من خفض فاتورة وارداتنا، وكل الإجراءات المتخذة لحدّ الساعة لم تثبت نجاعتها، بل لها ارتدادات سلبية كتضخم الأسعار وبروز ظاهرة الندرة في النوعية والوفرة الوهمية الكاذبة !.. والأمر الثاني يتمثل في تذبذب أسعار النفط، وهو عامل لا يمكننا التحكم فيه، لأنه يخضع إلى عوامل جيوسياسية واستراتيجية، لذلك من الحكمة هو تركيز الجهد الوطني للعمل والتدخل ضمن النطاق الذي بإمكاننا التحكم فيه، وهو يشمل ثلاثة (3) مستويات : الأول، يتعلق بإحلال الواردات وخفض فاتورتها، والثاني يتمثل في تعزيز الصناعات البتروكيميائية والتحويلية ونشرها، حتى نستطيع الإنفكاك من أسر دائرة أسعار الخام، وثالثا، هو التجويد على طول السلاسل الطاقوية، والعمل على خفض الكلفة، إعلاءً لهامش الربحية، بحيث حتى ولو تراجعت أسعار الخام نستطيع الحفاظ على أرباح محترمة.
اعتمدنا على الريع البترولي سيضعف بقدراتنا المالية وعلى صعيد مماثل، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمان عية، في حديثه مع ” الحوار” أن لجوء حكومة بدوي مؤخرا إلى اتخاذ حزمة من إجراءات جديدة، منها استحداث آلية لضبط استيراد القمح والحليب، وتحديد ميزانية 2 مليار دولار سنويا، لاستيراد أجزاء السيارات، سعيا منها لترشيد الواردات من اجل الحفاظ على احتياطي الصرف، أمر غير منطقي، ولن يأتي بإضافة للإقتصاد الوطني، هذه الاجراءات يضيف المتحدث ذاته تبرهن مرة أخرى أن الحكومة الجزائرية تعتمد في اتخاذ قرارتها المصيرية المتعلقة بآلية تطوير الاقتصاد على ما وصل إليه مؤشر أسعار البرميل من النفط في السوق العالمي، وهو تقدير خاطئ يقول عية لأن التركيز وضبط البوصلة باتجاه الأسواق النفطية العالمية، مشيرا إلى أن قرارات الحكومة تسير باتجاه معاكس، كونها اتخذت قرارات عندما كان سعر البرميل من البترول يفوق ال 70 دولارا، ومع تهاوي أسعار النفط الأخير سوف يؤدي حتما إلى هشاشة اقتصادنا، مما يؤكد مجددا حسبه المخاطر التي تواجه اقتصاد الجزائر الذي تأبى السلطة الحاكمة الخروج عنه والتوجه نحو التنويع الاقتصادي. تراجع اسعار النفط يقابله تدني مستوى الاستثمار الخارجي وفي هذا الإطار، أرجع الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، أسباب انهيار سعر خام البرنت (وهو القياس العالمي للنفط) ينهار إلى حدود 62 دولار للبرميل بعد أن تجاوز حاجز 70 دولار من فترة قصيرة، كان نتيجة التهديدات والمشاكل التي يفتعلها الرئيس الأمريكي “ترامب” مع الصين منذ فترة وكذلك مع المكسيك هذه الأيام، وبالرغم من أن سعر النفط الجزائري (صحارى بلند) يكون عادة أغلى من البرنت في الأسواق العالمية إلا أن هذه الأسعار لن تكون في صالح الاقتصاد الجزائري بالطبع والذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، خاصة بعد أن ارتفعت موارد هذه الصادرات من 33 مليار دولار سنة 2017 إلى 39 مليار دولار سنة 2018 بفعل التحسن النسبي للأسعار في السنة الماضية، ومما يزيد الطين بلة أي بالإضافة إلى تراجع الأسعار نجد أن هناك تراجع في الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط الجزائري بفعل التطورات التي تشهدها الجزائر والغموض السياسي الذي يسود المشهد، مما قد يؤدي في النهاية إلى انخفاض عائدات البلاد من صادرات المحروقات، ومما سيتفاقم أكثر من العجز في الميزانية، إذ من المعلوم أن هذا العجز يبلغ حوالي 2000 مليار دولار في كل من السنتين الأخيرتين (أي حوالي 17 مليار دولار). الجزائر لن تجد من يقرضها فلسا في استمرار الأزمة هذا واقترح الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان ناصر في السياق ذاته حيث قال: بالنسبة لعلاج هذا المشكل فلا أعتقد أنه من السهولة اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، لأن المانع ليس هو غلق الباب أمام هذه الاستدانة ومنعها من طرف الرئيس المقال كما يُروّج له في وسائل الإعلام، بل السبب هو أننا لن نجد من يقرضنا من المؤسسات المالية أو الأسواق المالية الدولية لأنه ليس لدينا قدرات السداد مع هشاشة الاقتصاد والتآكل السريع في احتياطي الصرف، مؤكدا أن الحل الأوحد أمام الحكومة هو الاستمرار في سياسة التمويل غير التقليدي والذي لا زالت رخصته سارية المفعول لثلاث سنوات ونصف قادمة رغم أن حجم النقود المطبوعة لحد الآن قد وصل إلى مستويات قياسية وهو 6556 مليار دج (أكثر من 55 مليار دولار)، وإذا صدقت الأرقام الواردة في التقرير الأخير لبنك الجزائر وهو أن حوالي نصف هذه المبلغ لم يتم بعد ضخه في الاقتصاد، فإنه يمكن الاعتماد عليه في هذه الحالة دون تشغيل آلة الطبع مرة أخرى. نصيرة سيد علي