في ظل الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، القائمة اليوم، التي أثرت على تقسيم الأعباء داخل الأسرة، بل وحتى في مفهوم القوامة، الذي صار مطاطا في أيامنا، افتكت المرأة الجزائرية حرية قانونية، لم يسبق لها مثيل، جعلتها تكتسب مكانة في المجتمع والأسرة، تختلف عن تلك التي كانت عليها في السابق، حيث شهد المجتمع الجزائري تغيرات على كل الأصعدة، انعكست بصورة واضحة على الأسرة، لأن هذه الأخيرة عبارة عن نتاج اجتماعي، يعكس صورة المجتمع الذي تظهر وتتطور فيه.. فإذا تغير المجتمع اقتصاديا، تحتم على الأسرة مسايرة هذا التغير أو التطور، ولم لا محاولة التكيف معه، وإيجاد أساليب مناسبة للتكفل بمتطلبات وحاجيات أفراد الأسرة. ومن بين التغيرات الاجتماعية، ظاهرة تعلم المرأة، وخروجها إلى العمل بشكل ملحوظ. ففي بداية التسعينيات، ومع انخفاض القدرة الشرائية للأسر الجزائرية، ودخول أغلب أفراد الأسرة إلى التعليم بمختلف أطوراه، حتى الأم أرادت تحقيق طموحها في التعلم، وتحقيق ذاتها اجتماعيا ومهنيا، ما دفعها إلى الخروج إلى ميدان العمل. فالمرأة الجزائرية اليوم، تسعى إلى تحقيق طموحاتها، لكنها غالبا ما تكتشف، في نهاية المطاف، أن طموحاتها ما هي إلا مكاسب تصب بشكل مباشر أو غير مباشر في صالح الزوج، والتخفيف من أعبائه في الحياة. * أعباء ومقاومة تنعكس على حياتها الخاصة في ظل ما يعانيه المجتمع الجزائري من ضيق في الأحوال الاقتصادية يقابله غلاء في متطلبات المعيشة، وجدت المرأة الجزائرية نفسها مضطرة إلى العمل، في إطار المشاركة والتخفيف من الأعباء الاقتصادية التي تكابدها أسرتها، سواء في بيت زوجها أم في بيت أبيها.. إلا أن خروجها إلى العمل، وبخاصة الزوجة العاملة، أدخلها في مشاكل أعمق، قد تهدد سعادتها الزوجية. فكان عليها أن تحقق بعض التوازن. ويعد تحقيق التوازن بين الوظيفة والحياة الشخصية أهم التحديات التي تصطدم بها الزوجة العاملة، خاصة أنها المسؤولة الأولى عن رفاهية عائلتها وأبنائها، إلا أنها يمكن أن تتغلب عليها بقليل من الحنكة والذكاء، بتنظيم الوقت وتقسيم الأدوار بين أفراد أسرتها. * المرأة العاملة ومتطلبات الأسرة المهمة الصعبة تقتحم المرأة، بكل عنفوانها وقدراتها، ميدان العمل، مواجهة كل التحديات، تدفعها إلى ذلك هواجس تحقيق طموحاتها في مجتمع تحكمه تقاليد وعادات متباينة. ويبقى هاجس المرأة العاملة الأول هو التوفيق بين عملها من جهة، ومهامها كأم لديها متطلبات أسرية عديدة منها رعاية الأطفال من جهة أخرى. لقد فرض نسق الحياة اليومية ضغوطا وشروطا جديدة قاسية على المرأة العاملة، فحولها إلى إنسان متعدد المهام والوظائف.. فكيف تعوض المرأة العاملة غيابها عن أسرتها، من خلال اضطرارها إلى قضاء وقت طويل خارج البيت؟ وكيف يمكن أن تتعامل مع أطفالها، خاصة في سنوات عمرهم الأولى، حين يكونون في حاجة إلى اهتمامها ورعايتها، حيث يبقى نجاح المرأة العاملة في الحياة المهنية ليس بالأمر الهين، وبروزها أصعب بكثير من الرجل. فإلى جانب كونها مطالبة بالعناية ببيتها وأبنائها، فإن مجتمعاتنا الذكورية كثيرا ما تقوم بعرقلة مسيرتها. فبعض الرجال مازالوا لا يستسيغون أن تكون رئيستهم في العمل امرأة، رغم كونها متفوقة عليهم علميا ومهنيا.. وكثيرا ما يضعون أمامها العراقيل كي تفشل في المهام المنوطة بعهدتها. لذلك، وجب على الجميع أن يقف إجلالا واحتراما لكل امرأة ناجحة في عملها، لأن الأمر أصعب بكثير مما يتصوره البعض.
* أنانية بعض الأزواج تثقل كاهل المرأة العاملة تتحول بعض البيوت الجزائرية إلى حلبة للمعارك بين الأزواج، بسبب راتب الزوجة. ومع إصرار بعض الأزواج على التحكم في راتب زوجاتهم، تزداد بعض النساء تشبثا بحقهن في صرف رواتبهن بحرية. ورغم أن معظم أزواج الموظفات لا يكلفون أنفسهم عناء مساعدتهن في أشغال المنزل وتربية الأبناء، فإنهم يعتقدون أن سماحهم للزوجة بالخروج إلى العمل يساوي حقهم في الاستحواذ على راتبها، واستهلاكه حسب مخططاتهم الانفرادية. وهنا يتحول راتب الزوجة إلى قنبلة موقوتة، يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لتحدث دمارا أسريا. فالمرأة تضيع نقودها في مواد التجميل، وتبذر الأموال في الكماليات، دون حساب.. هي أعذار، يراها بعض الرجال مقنعة للعب دور الوصي على أموال زوجاتهم، مستخدمين قدرتهم على فرض السيطرة، سواء تعلق الأمر بالصراخ أم التهديد. وقد يتطور الجدل إلى استخدام العنف. إذ يرى العديد من المختصين الاجتماعيين أن المطلوب بين الزوجين أن تكون الأمور المالية واضحة بينهم، منذ بداية حياتهما الزوجية. وعلى المرأة أن تشعر بأن مشاركتها في تكاليف الحياة الزوجية تزيد من رباط المحبة بينهما، ولابد للرجل من أن يعلم أنه هو المسؤول عن النفقة في الأسرة، ومن واجبه أن ينفق على زوجته، حتى ولو كانت عاملة، ومن الضروري وضوح هذه المسائل حتى لا تصل إلى ما لا تحمد عقباه.
* تحقيق التوازن.. المعادلة الصعبة تقول مريم، موظفة في شركة خاصة، إنه يجب على المرأة أن تفهم أن عملها الأساسي في الحياة أنها أم وزوجة، قبل أن تكون صاحبة عمل. ومن هنا، فإنها ستعمد إلى التوازن وتنظيم وقتها بمزيد من الحنكة والمشاركة مع الزوج، مؤكدة أن ذلك يمكنها من تنشئة أولادها بالطريقة الصحيحة، ومراعاة أمور زوجها. وفي نفس الوقت، إنجاز أعمال مهنتها بكثير من التركيز. وتشير السيدة مريم إلى أن تحقيق التوازن ليس صعبا، إن امتلك طرفا العلاقة الزوجية التفاهم والتوافق، قائلة إنها تعتبر تنشئة أولادها التنشئة الصحيحة القويمة أهم إنجازاتها في الحياة، وإن لم تستطع أن تفعل ذلك، بسبب العمل، فإنها ستضحي به، خاصة إن لم يكن زوجها معسرا، ولم يكن عملها ضروريا.
* الأعباء الكثيرة أثرت بالسلب في علاقتي بأسرتي وزوجي تشكو السيدة خديجة، أستاذة في التعليم الثانوي، من تكدس الأعباء المنزلية، نتيجة ازدحام يومها بساعات العمل، وما يتبعه من أعباء التحضير والإعداد لليوم الدراسي التالي.. ما يؤثر بشكل سلبي على علاقتها بأسرتها وزوجها، لافتة إلى أنها تجتهد في أن تتجنب ذلك، من خلال تنظيم الوقت وتقسيم الأدوار والواجبات المنزلية بينها وبين زوجها، إلا أنها كثيرا ما تفشل، نتيجة تكدس أعباء العمل لدى زوجها أيضا. وأشارت السيدة خديجة إلى أن ضغوط العمل لم تؤثر فقط في طبيعة علاقتها الأسرية، وإنما يمتد تأثيرها إلى فقدان اهتمامها بهواياتها وفقدانها العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، إلا في أيام الإجازات، قائلة: "إن تلك الأجواء تشعرها بملل الروتين اليومي، وتخلق أجواء مشحونة في البيت، وتؤثر أيضا على التقارب العاطفي بينها وبين زوجها".
* الدكتورة فاطمة الزهراء بن سالم خبيرة الموارد للبشرية والمهارات الحياتية: تعرض المرأة للضغوط الحياتية والعملية يؤثر في صحتها النفسية والجسمية تقول الدكتورة فاطمة الزهراء بن سالم، خبيرة الموارد البشرية والمهارات الحياتية، إن تعرض المرأة للكثير من الضغوط الحياتية والعملية يؤدي إلى حدوث تهديد حقيقي لصحة المرأة النفسية والجسمية، فيؤثر ذلك في مستوى أدائها وإنتاجها في العمل والأسرة.. وبذلك، يقل تقديرها لذاتها، وتسوء علاقتها بالمحيطين بها. وتضيف الدكتورة بن سالم قائلة: أعلم جيدا التحديات والصعوبات التي تواجه المرأة العاملة في حياتها اليومية، وليس بالسهولة أن نجد حلا لكل المشكلات التي تواجهها. فالأمر ليس بضغطة زر. وتقدم خبيرة الموارد البشرية أهم النصائح للمرأة العاملة، لحماية صحتها النفسية من أخطار التعرض للضغوط الحياتية، لتجديد نشاطها وشعورها بالرضا عن نفسها، ومنها تحديد الوقت بشكل أفضل، وكتابة الأمور التي تؤرقها، مع تجديد الطاقة بتعلم فن الاسترخاء والضحك لتحسين المزاج، مع وجوب النوم الكافي والاستمتاع بالإجازة الأسبوعية.
* المحامية الناشطة الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم "القوانين لم تفرق بين المرأة والرجل" تؤكد المحامية، الناشطة الحقوقية، فاطمة الزهراء بن براهم، أن القوانين بعد الاستقلال لم تفرق بين المرأة والرجل، من حيث الحقوق والواجبات، ما جعل المرأة تنخرط بسهولة في عملية التنمية. وتضيف الأستاذة بن براهم أن المرأة الجزائرية قوة اقتصادية، ولديها كفاءة مبهرة في مختلف المجالات، التي حققت من خلالها الاستقلالية المالية، مشيرة إلى وجود ضغوطات لا بد من محاربتها عن طريق التوعية والمرافقة.
* الشيخ حسناوي عبد العزيز إمام وخطيب مسجد دور المرأة في المجتمع مهم لأنها المجتمع كله وليست نصفه يرى الشيخ حسناوي عبد العزيز، إمام وخطيب مسجد، بأن إهمال دور المرأة في التنمية له تأثير سلبي، ويسبب نقصا في الموارد البشرية، مستشهدا بحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إنما النساء شقائق الرجال". ويضيف ذات المتحدث أن دور المرأة يشمل الأسرة والمجتمع، لأنها هي من تربي جيل المستقبل، وتنمي الأطفال على الأخلاق والتربية السليمة، بما لا ينعكس سلبا على أمن واستقرار المجتمع. ويشير الشيخ حسناوي عبد العزيز إلى أن الله- عز وجل- أعطى المرأة حقوقا كثيرة، منها حرية البيع والتجارة والصناعة وطلب العلم والتصرف في مالها الخاص، نافيا وجود نص شرعي يمنع المرأة من هذه الحقوق، حيث يرى بأن دور المرأة في المجتمع مهم، لأنها المجتمع كله، وليست نصفه.. كما يرى الشيخ حسناوي بأن المرأة الجزائرية قطعت أشواطا كبيرة كي تثبت ذاتها، وتفرض وجودها في مختلف المجالات، حيث تمكنت المرأة الجزائرية- بحسبه- من بلوغ مكانة محترمة، على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية..
* الأستاذ نور الدين بكيس أستاذ علم الاجتماع الرجل يخشى أن يتراجع دوره بسبب قلة مداخليه يقول الباحث الاجتماعي، نور الدين بكيس إن تنشئة الرجل الجزائري، وربما العربي، تم تعليمه بأن السلطة المالية أساس إثبات رجولته.. ويوضح الأستاذ بكيس أن الرجل الجزائري يخشى أن يتراجع دوره بسبب قلة مداخليه، فيسمح لنفسه بمشاركة مداخيل زوجته، مضيفا أن رفض المرأة بهذه الشراكة يؤدي بالضرورة إلى نزاعات في بعض الأحيان، تكون صامتة ولا تخرج عن نطاق الزوج والزوجة، وفي أحيان أخرى، تنتهي حتى بالطلاق، حيث يرى بأن الزوج مطالب بالإنفاق على الأسرة، حتى وإن كانت المرأة عاملة، وليس العكس. ويشير الأستاذ نور الدين بكيس إلى أنه رغم وجود نصوص قانونية صريحة وواضحة في قانون الأسرة، إلا أنها لم تضع حدا لجدل كبير، تعيشه العائلات الجزائرية التي تتخبط في مشاكل يومية، بسبب راتب الزوجة العاملة، تصل إلى المحاكم ثم الطلاق.