هل أنت بصحة جيدة؟ رمق الشيخُ حسن العجوزَ بنظرة ممزوجة بين الابتسامة والشك.. "هل أنا بصحة جيدة؟.. اااا.. نعم.. فما خلا هذه الكرش، نعم أنا بصحة جيدة"، قال الإمام وقد أمسك حواف سُرّته بكلتا يديه.. حرك العجوز حاجبه الأيمن، وتابع بنبرة فيها الكثير من التحدي "ومتى آخر مرة أجريت فيها تحاليل الدم؟". ابتسم الإمام ورد مباشرة "راني نقولك يا الحاج أنا بصحة جيدة ماعدا البطن منتفخة قليلا، ولست مريضا كي أعمل التحاليل". – "اممممم هل أنت مشغول الآن؟" سأل العجوز — "لا.. ليس بعد أن تعرفت عليك". – "طيب دعنا نتمشى قليلا". قام الشيخ حسن وقد أعاد هاتفه لجلابته، بالتزامن مع محدثه الغريب.. كان الفضول يغمر قلب الإمام لمعرفة ما يخبئه هذا المُسنّ، ولكن كان هذا الفضول مختلطا بخوف بدأ يسري إليه، مما قد يعرفه من حقائق. قطع العجوز شرود الشيخ حسن قائلا "هل تعرف ما الفرق بين الصحة والمرض؟". — "اااا الصحة أن تكون بصحة جيدة، والمرض أن تصاب بسقم"، رد الشيخ حسن مبتسما كمن ينتظر توبيخا من أستاذه. – "هاهاها، كأنك تقول العطش أن تشعر برغبة في شرب الماء، والارتواء أن تشرب لترين منه"، أجاب العجوز وقد ضحكا معا، قبل أن يضيف "دعني أطرح عليك هذا السؤال بطريقة مختلفة: هل تعرف الفرق بين الوقاية والعلاج؟". عدل الشيخ حسن من كمامته وحك أنفه وهو يتأمل هذا السؤال، وقد قطعا مسافة مع بعض داخل المستشفى، قبل أن يتوقف معلقا "أعرف فقط أن الوقاية خير من العلاج". – "واضح أنك كنت تلميذا مجتهدا في الابتدائي" عقّب العجوز ضاحكا. — "هاهاها، أنت رائع أيها العجوز، وروحك مرحة، وتعطي المعلومة بالقطرة، وأنا شخص شغوف للتعلم، هل يمكنني أن أدعوك على كأس شاي في المقهى المقابل للمستشفى، فرائحة المرض هنا خنقتني"، قال الشيخ حسن. – "الحمد لله أنك أخيرا دعوتني، فقد أطلت حتى كدت أيأس من بُخلك"، رد العجوز وقد ضحكا معا.. على مخرج المستشفى تمشى الرجلان لأقل من مئة متر لمقهى قد توضّعت طاولاته أسفل أشجار وارفة الظل، وقد عج المقهى بمشتغلين في القطاع الطبي معروفين بلباسهم، وأشخاص واضح من لباسهم ولكناتهم أن لهم مرضى بذات المستشفى.. أخذ الرفيقان مكانا مناسبا لهما.. طلب الشيخ حسن كأس شاي، فيما اكتفى العجوز بطلب قارورة ماء صغيرة رغم إلحاح مُضيّفه. — "هاه.. قل لي الحاج، ما الفرق بين الوقاية والعلاج؟"، سأل الإمام. أفرغ العجوز كمية من الماء في كأس بلاستيكي وأنزل كمامته وشرب، قبل أن يجيب "الوقاية أن تكون لك عادات صحية وغذائية تقيك من الإصابة من الأمراض، أما المرض فهو ردة فعل جسمك من إهمالك له، فتضطر أن تسلمه لشخص آخر يتصرف فيه وهو الطبيب". أخذ الشيخ حسن يتدبر كلام المُسنّ، وأطال في ذلك وهو يأخذ رشفة تلو رشفة من الشاي، والشيخ ينظر إليه بابتسامة.. — "هناك من يولدون بأمراض، وهناك من تصيبهم نزلة برد فيمرضون". تفاعل الإمام. – "من وُلدوا بالأمراض أغلبهم ورثوا ذلك من أوليائهم، وإن كان أولياؤهم يظهرون أنهم بصحة جيدة، ومن تصيبهم نزلات البرد فذاك راجع لنقص في المناعة في تلك الفترة، وهذا أمر عادي وإنساني". أجاب العجوز، قبل أن يتابع: "هل تعلم أولى خطوات الوقاية في الصحة شيخ حسن؟" — "علمني من فضلك؟". – "أن تعمل تحاليل الدم مرة كل ستة أشهر دون انتظار أن يطلبها منك الطبيب"، أجاب العجوز وقد أخرج من جيبه كيسا أفرغه في نصف قارورة الماء الصغيرة، قبل أن يخلط محتواه ويشربه. — "بالشفا عليك الحاج، أي دواء هذا؟ ومما تعاني وأنت تستطب في المستشفى" سأل الشيخ حسن. – "الله يسلمك وليدي، لكن هذا ليس دواء، وقد جئت للمستشفى لأدعم ابنتي نفسيا فهي طبيبة في مصلحة كوفيد19". — "اه.. ربي يقدرها.. لكن ما هو هذا الذي شربت؟" – "ستعرف في حينه". — "أخبرني أريد أن أتعلم منك كل ما يتعلق بصحتي، فبصراحة أنا آتي دوريا للمستشفى لأزور رئيس لجنة المسجد، ومرضه بالسكري وضغط الدم والسمنة جعلني أخاف من أن يكون لي نفس مصيره". قال الشيخ حسن. – "تريد فعلا أن تعرف صحتك وكيف تقي نفسك من الأمراض؟" — "جدا الحاج". أخذ العجوز ورقة صغيرة وكتب عليها اسما ورقم هاتف، وختم الورقة ب"الشيخ الحراشي"، وقال للشيخ حسن: "خذ موعدا مع هذا الكوتش، وحين تدخل عليه سلمه هذه الورقة وسيعرف خطي وسيقوم معك باللازم". — "فقط؟" سأل الإمام – "مرحبا بك في رحلة اكتشاف نفسك" قال الشيخ وقد همّ يقوم يدفع مستحقات قبل أن يحلف الشيخ حسن أنه من سيفعل. الحلقة 2 يتبع