كعادة كل العالم الإسلامي يهب الفلسطيني من أجل اقتناء الحاجات الأساسية والمواد الغذائية احتفاء وتحضيرا لشهر رمضان ولإتحاف مائدته بصنوف الأكل بعد عناء ومشقة اليوم، وما يميز الأسواق الفلسطينية عبق التاريخ الممتد من الماضي إلى الحاضر عبر جسر تعاقب الأجيال، فامتزجت بصبغتها الإسلامية في كثير منها كسوق الخان في مدينة نابلس وسوق الأندلس في مدينة الخليل والسوق القديم في قلب مدين القدس، وعندما تدخل هذه الأسواق تفوح منها رائحة التاريخ بامتياز، ويتصل التاريخ العربي كله في نقطة فلسطينية محضة وتلتقي الحضارات مجتمعة عند أبواب مدينة القدس أو الخليل، ويكاد يستجمع التاريخ نفسه على أبواب مدينة أريحا اقدم مدينة في التاريخ.
والزائر أسواق فلسطين التي تضج بالتاريخ، تهب عليه نسمات الحلويات الفلسطينية التي اتقنها الفلسطيني مبكرا من عمر التاريخ، ويشم روائح الفلافل التي تفوح على بعد كيلو مترات، وتكاد رائحة القهوة "بالهيل" تطغى على كل الروائح لكأنها تستدعي الشهية للشراء ولا أنسى البهارات التي تغري المارة من المشترين لتزين أطباقهم بها، وكثير من المشروبات، ويكاد صوت الباعة المميز والذي يحسنونه كأنه صنعة أمتدت من الكنعاني إلى الجيل الحاضر، ليستمر هذا التقليد بل هذا الفن مستقبلا ليربط الأجيال من الباعة، والطريف في الأمر أن لكل منطقة فلسطينية لهجتها فتجد تنوع نداءات الباعة بين الصوت واللهجة والنبرة والطريقة منها ما يضحكك ومنا ما يسرك ومنها ما يدهشك، ومنها ما يطربك، حتى أن البعض تحت سطوة الطرب والإعجاب يذهب للشراء من هذا البائع او ذاك.
وتطغى الحلويات مثل القطايف والكنافة على مائدة الحلويات "التحلية" كما يسميها أهل فلسطين بعد الإفطار، وتنتشر أنواع من الألبسة الخاصة برمضان والفوانيس التي تجذب عيون الأطفال من كل صوب، وتجد هذه الفوانيس معلقة على جدران وأسقف هذه الأسواق القديمة وكأنها تهنيء الزائرين بقدوم شهر رمضان وتعلن رسميا دخولها الشهر الفضيل، وتغير من ديكورها وأضواءها بنكهة رمضانية إسلامية عربية وفلسطينية، وكأنها أيضا تعلن في كل ثانية عن حاضنتها العربية والإسلامية وتكذب الزيف والتزوير التاريخي الذي ينادي به البعض، ولكم في أسواق فلسطين عبق التاريخ ورونق الحضارة.