الأرض و أهلها بصدد معانقة أفضل شهور الله بنسماته ونفحاته الإيمانيّة ، فنجد الكثيرين يُسارعون في العِبادات وفعل الخَيرات والأعمال الصالحة طمعا في رحمة من الله و ابتغاء عفوه، فيسعى العابد الزاهد للاقتراب من ربّه أكثر والآثِم العاصي يسعى للتكفير عن ذنوبه ومعاصيه ليصل منزلة العتقاء من النّار. كما نجد يا آسفاه طائفة أخرى لها مفهومٌ آخر لهذا الشهر المبارك. فبدلا من المسارعة للعبادة هي تسارع الزمن للتبضع والتسوق من مختلف مغريات البطن و في عقيدتها إيمان بنصرة الجهاز الهضمي ، هذه الظاهرة أضحت ديدنا يتكرر كل سنة من الشهر المبارك ، بل أصبحت ورقة هامة تبنى عليها الميزانية و تعلق الأحلام و لا تأبه بغيرها الأذهان. تزداد حيرتنا حِدة حين نعلم أن ظاهرة عبادة البطن امتدت كذلك لتشمل الفقراء غير آبهين بسطوة الضائقة المادية و لا حتى بشبح الإقراض والدّين ، الكل رضي بعرش المعدة و قبل ببنودها ، يشتهون كلّ ما يرونه أمام أعينِهم ويشترون ما يكفيهم وزيادة دون الاكتراث بتبعات ذلك من ضغوط و تكلف يعجل بالهاوية ، لعبة البذخ و أسطوانة الإسراف أعمت البصيرة و حجبت عن البصر رؤية وحشا التهم بطونا فارغة ، حَمَلَتُهَا لا يملكون من المأكل ما يسدون به جوعهم ، ذنبهم الوحيد أن وجودهم تزامن مع عبيد المعدة ، يأكلون بأعينهم. بقدوم شهر رمضان تمطر علينا الخيرات فيجيء حاملاً معه الأرزاق لكلّ النّاس ، فلا تخلقون مبرر الإسراف و التبذير ، أو تتركوا العِنان للبطون بأن تتحكم و تفرض منطقها من دون إخضاعها لقواعد الوجاهة و الرشادة ، هذه الطائفة ترجمت الشهر المبارك ترجمة خاطئة على أنّه شهر الكرم فلا ضرر في المبالغة في الأكل والإسراف ، يُعِدّون شتّى الأنواع من المأكولات ولا يأكلون منها إلاّ القليل. ثم يكون مصير الكميات الهائلة من أصناف الأطعمة حاويات المهملات ، بيننا بطون البعض استوطنها الجوع يسمع فيها الأصم همس الأمعاء. متى يحين لهذه الفئة من النّاس أن تعلم أن رمضان شهر القرآن والتقرب للّه بالطاعات والعِبادات ، و ليس عن طريق تنظيم رالي تعبئة البطون و التباهي بقائمة الوجبات. يقول اللّٰه تعالىٰ: "وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (31- سورة الأعراف) ، أية قرآنية لخصت قانون الاستهلاك ، كمية الغذاء على قدر الحاجة ، و نهجر القمامة قليلا و لا نثقل كاهل القطط و الكلاب الضالة بالحركة صوب الفاسد من الغذاء. كبح جماح الإغراء و الحد من لهث البطن أول خطوات الصواب ، أفضال هذا الشهر أوسع من أن تُحْصَر في طاولة خشبية او أواني زجاجية ، هو فيض من البركات تَعْجِز السماوات و الارض عن حملها ، رمضان هو شهر الله و صيامه له وحده و هو من يجزي به. الحلقة الثانية