شدد المدير الجهوي لإفريقيا للمنظمة الدولية للعمل، أينيس شوما، خلال زيارة قام بها إلى الجزائر ولقائه مع كافة الأطراف من ممثل الحكومة وأرباب العمل ونقابة، على أن البطالة والسوق الموازية رهانان يتعين على الجزائر مواجهتهما، مشيرا إلى أهمية استيعاب الاقتصاد الموازية وتسوية وضعيته، والتركيز كأولوية على إنشاء مناصب شغل منتجة للشباب، معلنا عن إطلاق حملة للتحسيس حول مخاطر تشغيل الأطفال الذي تبقى ظاهرة لا تخص الجزائر فحسب. في أي إطار تأتي زيارتكم إلى الجزائر وما أهدافها؟ هناك سببان رئيسيان لزيارتي إلى الجزائر والتي تعتبر الأولى من نوعها، الأولى تتعلق بالالتقاء مع مختلف الشركاء الاجتماعيين وممثلي الحكومة ومنظمات أرباب العمل، إضافة إلى ممثلي المستخدمين والعمال، أما السبب الثاني، فيخص زيارة مكتب المنظمة الدولية للعمل بالجزائر والتحدث مع الطاقم العامل حول مختلف الإشكاليات التي نحن بصدد العمل عليها، وسمحت الزيارة التي قمت بها بلقاء وزير العمل ووزير التكوين المهني، إلى جانب الأمين العام للمركزية النقابية، ولكن أيضا تنظيمات أرباب العمل الذين يمثلون مختلف الفروع الصناعية من القطاع الخاص، وكما أسلفت هذه أول زيارة أقوم بها إلى الجزائر كمدير جهوي، ورغبت في الاستماع إلى جميع الأطراف الفاعلة والاطلاع وتحديد المجالات التي يمكن للمنظمة أن تساعد الشركاء الجزائريين، لقد كانت لنا محادثات حول الضمان الاجتماعي ومفتشية العمل ووضع الحوار الاجتماعي، فضلا عن التكوين المهني والأهمية التي تمثلها إنشاء مناصب العمل لفئة الشباب بالخصوص. فالجزائر على غرار كل القارة الإفريقية أغلبية سكانها من الشباب وهذا العامل يكتسي أهمية بالغة، إذ يتطلب من باب الأولوية إنشاء مناصب عمل منتجة للشباب، ونعتبر أن الشباب عنصر مهم في التنمية ونحن مصممون على تدعيم مكتب المنظمة في الجزائر ليتحول إلى شريك ذي مصداقية لدى الشركاء الاجتماعيين ومختلف الأطراف وليتمكن أيضا من الإشراف والمتابعة، لكون المكتب يشمل منطقة شمال إفريقيا، أي أنه يضم إلى جانب الجزائرتونس والمغرب وليبيا ومصر. ما هي أهم ما تم استخلاصه من الزيارة؟ يجب التأكيد على أهمية الجزائر بالنسبة للمنظمة، فالحكومة الجزائرية عضو في مجلس إدارة المنظمة ومنظمة أرباب العمل ممثلة بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا، وعليه نعتبر أن الجزائر هامة بالنسبة لنشاط المكتب الدولي للشغل أيضا وهنالك أربع نقاط تم استخلاصها من الزيارة والمحادثات التي أجريت الأول أن العمل الذي يتم القيام به في الجزائر في مجال الضمان الاجتماعي ايجابي، فهناك إستراتيجية متقدمة وناضجة للضمان الاجتماعي، وتغطي أكثر من 75 في المائة من السكان، كما أنها تغطي العديد من المجالات، التي تخص العمال والأجراء والبطالين وقطاع الصحة والنساء في فترة ما بعد الولادة، ونحن في مسار تحسين مستمر، وتقوم الحكومة الجزائرية حاليا ببناء مدرسة خاصة بالضمان الاجتماعي التي ستضمن التكوين للجزائريين، ولكن أيضا للرعايا من الدول الإفريقية الناطقين بالفرنسية، ثم ستوسع إلى كافة بلدان إفريقيا. أما النقطة الثانية، فتتعلق بنوعية الحوار الاجتماعي، فقد التقيت بممثلي كافة الأطراف بصورة منفردة وكان حديثهم إيجابيا، ولمست احتراما لبعضهم البعض، ولكن هذا لا يعني أنهم متفاهمون ومتفقون على كل شيء، ولكن وجهات نظرهم تتقاطع حول إشكاليات محددة وكيفية تسيير الخلافات وتباين الرؤى، كما أنني أعجبت بالميثاق الاقتصادي والاجتماعي الذي تم التوقيع عليه من قبل كافة الأطراف. النقطة الثالثة تخص مفتشية العمل، ولمسنا هنا احتراما للمقاييس المعتمدة من قبل المكتب الدولي للشغل، كما سجلنا رفعا من قبل الحكومة لميزانية المفتشية وتدعيما للطاقم العامل بها، ونعتبر أن التنظيم القائم من بين أفضل ما هو موجود. أما النقطة الرابعة، فتخص التكوين وخاصة المهني والتقني، وقد تم تحديد الاستراتيجية بالتوافق بين الحكومة وممثلي أرباب العمل والنقابة وتضمن تكوينا مستمرا للعامل، فضلا عن تحيين دوري للمعارف، وبصفته مفهوما عالميا، فإننا نثمّن انخراط الجزائر في هذا المسار. كيف تنظر المنظمة إلى ظاهرة البطالة في الجزائر وسبل معالجتها؟ البطالة مشكلة عويصة وهامة جدا في الجزائر، لاسيما وأنها تمس فئة الشباب رجالا ونساء، ومن الأهمية بمكان أن تقوم الحكومة الجزائرية بالاستجابة لهذه التحديات، وقد تم تطوير خلال المباحثات أبرز العناصر لتسوية المشاكل القائمة، جزء منها يتعلق باستراتيجية التكوين التقني للشباب، إلى جانب الفرص المختلفة المتاحة من خلال التدابير التحفيزية لتشجيع المؤسسات على تشغيل الشباب، وأعتقد أنها السياسة المناسبة والعادلة لضمان مطابقة التكوين مع حاجيات سوق العمل، ولإنجاح هذه المهمة يجب أن يكون هناك تنسيق بين الأطراف الثلاثة: الحكومة وأرباب العمل والنقابة، وندرك أن مثل هذه الاستراتيجيات تتطلب وقتا ولكنني متفائل. السوق الموازية أيضا تشكل تحديا لكونها تمثل جزءا هاما من الاقتصاد في الجزائر.. كيف ترون ذلك؟ أغلبية السكان في إفريقيا وليس الجزائر فحسب يعملون في النشاطات الموازية، وهذا الجزء يمثل حصة معتبرة من الناتج المحلي الخام، حتى وإن لم يتم إدراجه أو تحديده وفي حالات يقدر ب40 في المائة من الناتج المحلي الخام، وعليه، فإنه من الأهمية أيضا اتخاذ التدابير الضرورية لاستيعاب السوق الموازية وجعلها شرعية وقانونية، وهذا الإجراء ستنتج عنه منافع للسوق الموازية والاقتصاد، حيث يسمح بتقييد قانوني للناشطين فيه وحماية حقوقهم وضمان احترامهم، كما يتم انخراطهم في المنظومة الجبائية، وندرك أن الكثير ممن يعملون في الاقتصاد الموازي غير محميين وهم عرضة للتجاوزات، ولذلك يجب العمل جميعا من حكومة وأرباب عمل ونقابة على ترسيم السوق الموازي والتفكير في استراتيجية للانتقال من الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي الشرعي، ونحن مسرورون في المنظمة لكوننا نعمل على تحديد استراتيجية عملية لرفع تحدي الاقتصاد الموازي وإيجاد حل له في الجزائر.. هناك منظمات نقابية جزائرية دعت إلى التعددية النقابية واحترامها، ما هو رد المنظمة على ذلك؟ القرار يخص السلطات الجزائرية، وبالنسبة للمنظمة هنالك إطار قانوني واضح يتعلق بالمادة 87 من الاتفاقية التي تسير الحريات النقابية، والأمور يجب أن تسوى ضمن هذا الإطار، والجزائر صادقت على الاتفاقية وتقوم بتطبيقها، ويمكن العودة إلى عدد النقابات التي تنشط، ويمكن القول أن حق النشاط النقابي محترم في الجزائر، ولكن لا يمكنني القول إلى أي حد أو مدى هذا الحق محترم. وماذا عن عمل أو تشغيل الأطفال؟ المنظمة تحوز على تشريع وقانون قوي جدا حول عمل الأطفال، والجزائر صادقت على الاتفاقية الخاصة بتشغيل الأطفال، وبالنسبة لهذه الظاهرة، فإن التحدي والرهان يخص الجزائر وكافة البلدان، ويتمثل في الحرص على تطبيق الاتفاقية التي تمنع تشغيل الأطفال وضمان المراقبة والمتابعة، وهذه الإشكالية بالنسبة للمنظمة قائمة كما قلت في الجزائر وفي إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وقد أطلقت المنظمة حملة لمحاربة الظاهرة والتعريف بمخاطرها.