رغم حجم الملفات الملتهبة المطروحة في الشارع، على غرار التعفن في قطاع الصحة والتصعيد المتزايد في الجامعات، غير أن لا أحد من هذه الملفات استقطب اهتمام البرلمان الذي يعيش فارقا زمنيا كبيرا بين انشغالات شريحة كبيرة من المجتمع وبين أولويات من يصفون أنفسهم ب"نواب الشعب". كشفت قضية الأطباء المقيمين وما تولد عنها من شلل لمستشفيات الوطن يدوم منذ شهور، ليس فقط عن انسداد للحوار بين الشركاء الاجتماعيين والحكومة ولكن أيضا عن غياب كلي للمؤسسات المنتخبة المكلفة باحتواء الحراك في الشارع داخل الأطر الرسمية، وفي مقدمتها البرلمان بغرفتيه الذي يشاهد ما يجري في الشارع من غضب واحتجاج اجتماعي وكأنه غير معني به أو ليس من أولويات اهتماماته. يحدث هذا رغم أن الدستور ينص في مادته 115: "واجب البرلمان، في إطار اختصاصاته الدستورية، أن يبقى وفيا لثقة الشعب، ويظل يتحسس تطلعاته". تقوقع البرلمان بغرفتيه ضمن أجندته الخاصة في شارع زيغوت يوسف جعل المواطنين على غرار الأطباء المقيمين وطلبة الجامعات وغيرهم من فئات المجتمع يلجأون للشارع لطرح والتعبير عن انشغالاتهم، وهو ما نجمت عنه زيادة في الاحتقان الاجتماعي وبركان من الغضب والتذمر تارة بسبب الاحتكاك مع قوات مكافحة الشغب، وهو ما وقع في مسيرة الأطباء المقيمين بالعاصمة، أو زيادة التصعيد والتطرف في الحركات الاحتجاجية للموظفين والعمال لكون الوصاية أذنها من طين وأخرى من عجين. فعندما تنتقل دائرة الاحتجاجات من الوسط إلى الشرق والغرب والجنوب، لم تعد قضية تخص قطاعا وزاريا بقدر ما تهم البرلمان بالدرجة الأولى، لأنه هو من يتحسس تطلعات الشعب. فلماذا توجد في البرلمان بغرفتيه لجنة تسمى "الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني"، وهي لجنة طويلة عريضة بالاسم فقط؟ لكن إذا كانت الدوائر الوزارية أو الحكومة يؤخذ عليها أنها لا تحسن ثقافة الاتصال والحوار مع موظفي قطاعاتها، كما هو الحاصل اليوم في قطاعي الصحة والتعليم العالي، حيث لم نسمع سوى لغة التهديد والوعيد، مثلما يفعل الطاهر حجار مع نقابة "الكناس" وتنظيمات الطلبة، فإن البرلمان المطالب دستوريا ب"تحسس تطلعات الشعب" غائب كليا عن الساحة وكأنه غير معني بنقل وطرح انشغالات هذه الشرائح الواسعة من الشباب على السلطات، خصوصا أنها تمثل زبدة المجتمع ونخبته المستقبلية. فلماذا يهتم حزب الأغلبية بمستقبل القطاع العام ويعقد له "ثلاثية موازية" ولا يهتم بالإطارات المستقبلية التي ستؤطر الاقتصاد وتسهر على ترقية الخدمة العمومية؟ قبل أسبوع خرجت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لتعتذر للبريطانيين جراء تدني الخدمات الطبية في مستشفيات بلادها بفعل نقص الأطباء، من باب أن الصحة تعد جوهر عمل الحكومات وجزءا من وجودها، لكن في الجزائر لم يسمع سوى صوت "الهراوات" في الشارع كرد على مطالب الأطباء المقيمين التي اكتفى وزير الصحة بالقول إنه سيتكفل بها ضمن مشروع قانون الصحة الذي أعده وزير الصحة السابق الذي غادر الوزارة، لكن دون أن يتم الفصل فيه من قبل البرلمان. فهل تحولت صحة الجزائريين إلى موضوع هامشي حتى يتم تأجيل قانونها إلى إشعار آخر ولا يحظى بأولوية الأولويات في أجندة الهيئة التشريعية!؟ والنتيجة لسياسة "التهميش" المنتهجة عن قصد أو عن تهاون من قبل نواب الهيئة التشريعية أن فئات المجتمع لم تعد ترى في البرلمان حتى كحائط مبكى، حيث تحول هذا الأخير إلى آخر ملجأ يفكر المحتجون في الذهاب إليه، لأنه فقد مصداقيته ولم يعد ل"ممثلي الشعب" عنوان لإيداع طلب مساعدة. وعندما يغلق البرلمان على نفسه ويتغاضى عن رؤية مطالب الطلبة والأطباء والموظفين وغيرهم، يتحول الشارع إلى منبر وساحة لطرح المشاكل والمطالب والعنف هي لغته في أكثر الأحيان.