توالت، في الفترة الأخيرة، أسئلة النواب الفرنسيين حول حالة المقابر المسيحية واليهودية بالجزائر، رغم اتفاق السلطات الفرنسية والجزائرية منذ سنة 2015 على مخطط لإعادة هيكلة وتجميع هذه المقابر وصيانتها. ويعود هذا الملف في كل مرة بضغط من الأقدام السوداء في فرنسا. في ظرف 4 أشهر، تقدم نائبان في الجمعية الوطنية الفرنسية بسؤال لوزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، حول حالة المقابر المسيحية واليهودية في الجزائر. ويعد أرشيف البرلمان الفرنسي عشرات الأسئلة من هذا النوع للحكومة الفرنسية، للضغط عليها من أجل التكفل بهذه المقابر وإعادة الاعتبار لها، وذلك باستغلال العلاقة الجيدة بين السلطات الفرنسية والجزائرية في الفترة الأخيرة، والتي يميزها تبادل كثيف للزيارات بين البلدين. وفي آخر سؤال تم توجيهه في هذا الشأن في 27 مارس الماضي، قال النائب جون كلود بوشي إنه يريد أن ينبه وزير الخارجية الفرنسي إلى المطالب المشروعة لعائلات الفرنسيين المدفونين بالجزائر في المقابر المسيحية واليهودية. وأضاف النائب المنتمي إلى حزب "الجمهوريون" أن المقابر في المدن الكبرى تظل مغلقة ودون حراسة ولا تتم صيانتها أبدا، أما المقابر في المدن الصغيرة فهي مفتوحة لكنها مهملة ويتم انتهاك حرمتها باستمرار. وضرب هذا النائب مثالا بالمغرب الذي عرفت فيه عملية تجميع المقابر، حسبه، نجاحا في المدن الكبرى. وسأل النائب عن الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل حماية ذاكرة أجداد الفرنسيين المدفونين بالجزائر. وفي بداية سنة 2018، توجهت النائب باتريسيا ميرالال بسؤال شبيه إلى وزير الخارجية الفرنسي، تطلب فيه توضيحات حول نسبة تقدم الأشغال فيما يخص عملية تجميع المقابر في الولاياتالجزائرية، وتقريرا مفصلا حول المقابر الثماني التي انطلقت فيها الأشغال في المرحلة الأولى لبداية مخطط العمل الخاص بإعادة هيكلة المقابر المسيحية واليهودية في الجزائر.
مخطط العمل يجري تنفيذه
وجاء رد جون إيف لودريان نافيا وجود إهمال لهذه المقابر، إذ يتم الاعتناء بها، حسبه، منذ زيارة الرئيس شيراك في 2003 إلى الجزائر، حيث وضعت فرنسا مخططا للتعاون يتعلق بالمقابر الفرنسية يمكن من الحفاظ على ذاكرة الفرنسيين المدفونين بهذا البلد. ويرتكز هذا المخطط على 3 مجالات، هي الصيانة والتجديد وتجميع المقابر. وشرح وزير الخارجية الفرنسي أنه ما بين 2005 و2017، كانت ثمة مرحلتان متتاليتان سمحتا بالقيام بعدة عمليات ترميم وإعادة تأهيل للمقابر، كما تم تجميع 210 مقبرة صغيرة بميزانية تصل إلى 5 ملايين أورو. ومن أجل تجميع المبالغ الضرورية، أشار الوزير إلى أنه تم إطلاق حملة بين المقاطعات الفرنسية لهذا الغرض، ما سمح بالحصول على مبلغ 358 ألف أورو لحد الساعة. وأضاف أن هذا المخطط هو اليوم في المرحلة الثانية، فمن بين 41 مقبرة تم تجميع 39 لحد الآن (7مقابر في 2015، 5 في 2016 و5 في 2017 بالنسبة للجزائر العاصمة، 6 مقابر في 2015 و12 في 2016 و4 في 2017 بالنسبة لعنابة)، في حين بقيت مقبرتان مسيحيتان في ولاية ميلة سيتم تجميعهما في 2018. وأوضح الوزير أن القنصليات الفرنسية الثلاث في الجزائر لا تتوقف عن إثارة انتباه السلطات الجزائرية من أجل أن لا تترك المقابر التي تمت صيانتها وتجديدها إلى الإهمال من جديد، ومطالبتها بتحمل واجبها في هذا الاتجاه، ولفت إلى أن السلطات القنصلية الفرنسية تشعر في كل مرة السلطات الجزائرية في حال تعرضت المقابر إلى تخريب أو تدنيس. وذكر الوزير أن المقابر تمثل جزءا من ممتلكات الجماعات المحلية في الجزائر وهي تحت المسؤولية المباشرة لرئيس المجلس الشعبي البلدي، مشيرا إلى أن البلديات في الجزائر هي المطالبة بأن تقوم بأعمال الصيانة والحراسة العامة، بينما صيانة القبور تقع على عاتق العائلات. وتابع بأن وزارة الخارجية تتحمل مسؤوليتها كاملة، لكنها لا يمكن أن تعوض السلطات الجزائرية والعائلات.
أما الجانب الجزائري، فينفي تماما ما يثار في فرنسا حول إهمال المقابر المسيحية واليهودية بالجزائر. وحسب المؤسسة العمومية لتسيير الجنائز والمقابر لولاية الجزائر، فقد تم مؤخرا الانتهاء من عمليات تجميع أزيد من 13 ألف رفات مستخرجة من المقابر المسيحية المتواجدة على مستوى الجزائر العاصمة لتجمعها في مقابر كبرى، وذلك في إطار اتفاق رسمي بين السلطات الجزائرية والفرنسية. وذكر كيدوش عبد العزيز، نائب مدير المؤسسة العمومية لتسيير الجنائز والمقابر لولاية الجزائر، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، قبل أسبوع، أن العملية التي شرعت فيها السلطات الفرنسية (القنصلية الفرنسية بالجزائر) منذ نهاية سنة 2014 نفذت بإشراف مؤسسة متخصصة في هذا النوع من العمليات. ومكنت العملية، حسب المسؤول، من تجميع 13 ألف و284 رفات مستخرجة من مجموع 7186قبر dعود لرعايا مسيحيين تم دفنهم بالجزائر خلال الفترة الاستعمارية، موزعين عبر مقابر مسيحية متواجدة ببلديات العاصمة، وأوضح أن عدد المقابر المسيحية بالعاصمة تقلص من 32 مقبرة إلى 10 مقابر في الوقت الحالي. وأبرز المصدر أنه قد تم نقل وتجميع رفات هؤلاء الرعايا المسيحيين في ثلاث (3) مقابر مسيحية متواجدة على مستوى كل من بلديات القبة والأبيار وبلفور (الحراش). وقد سمحت العملية باسترجاع وعاء عقاري قارب 12 هكتارا يوضع تحت تصرف الولاية لاستغلاله في إنجاز مشاريع جوارية.