اقتراب موعد عرض التقرير الأممي حول الصحراء الغربية، وتعيين ترامب لكاتب دولة جديد للخارجية وصف بالمعادي للمغرب، وزيارة رئيس الوزراء الإسباني للجزائر، كلها معطيات دفعت المغرب إلى شن حملة “نارية” ضد الجزائر، استعملت فيها عبارات تؤشر على تخبط غير مسبوق للرباط بعدما تبين لها تراجع حلفائها المؤيدين لأطروحاتها. لم تحقق عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، “الاختراق الدبلوماسي” الذي كانت تريده المملكة من وراء وضع حد لقطيعتها مع المنظمة القارية الإفريقية، بحيث رمت المشاكل الداخلية للمملكة والحراك الاجتماعي في الريف وجرادة وغيرها من الاحتجاجات للشعب المغربي، والعنف الذي قوبلت به من قبل نظام المخزن، في تسويد صورة الجارة الغربية للجزائر، خصوصا لدى الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية وبالشكل الذي دفع هذه الأخيرة إلى تغيير مواقفها من مزاعم ما سمي ب”الإصلاحات السياسية” التي سعت دبلوماسية المخزن لترويجها في السنوات الأخيرة. وضمن هذا السياق جاءت قرارات المحكمة الأوروبية التي أسقطت الاتفاق التجاري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، من خلال استثناء المنتوجات الفلاحية الصحراوية، وكذا اتفاق الصيد من الاتفاق العام، ليشكل صدمة لدى النظام المغربي، قبل أن يلحقه قرار حكومة جنوب إفريقيا التي حجزت باخرة الفوسفات المغربي في مياهها الإقليمية وبيعها في المزاد العلني، وهي كلها خسائر دبلوماسية للمملكة. يضاف إلى هذه المعطيات خرجة الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريس، الذي دعا إلى ضرورة “وضع حد لنزاع الصحراء الغربية الذي عمّر طويلا”، مشددا على أهمية “تشكيل آلية مستقلة لحقوق الإنسان وإعطاء ديناميكية جديدة لحل النزاع”، وهي الرسالة التي تلقتها الرباط بإطلاق حالة الطوارئ، بحيث أرسلت وزير خارجيتها ناصر بوريطة إلى باريس وواشنطن ونيويورك، سعيا للتأثير على “التيار الجارف” الذي قد يحمله تقرير غوتيريس حول الصحراء الغربية المبرمج ليوم 25 أفريل الجاري. وكالعادة أطلقت المملكة المغربية سهامها على الجارة الشرقية، الجزائر، ولكن هذه المرة بلغة غير دبلوماسية، ما يفهم منه أن الرباط فقدت أعصابها، ليس فقط إزاء الجزائر، وإنما تحسبا لما يحمله التقرير الأممي من إكراهات جديدة ضد المغرب بخصوص عدم التزامه بالتعهدات وتملصه من واجباته بشأن المفاوضات مع البوليساريو. وتكون زيارة رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، إلى الجزائر التي كللت بإبرام عدة اتفاقيات، جزءا من حالة القلق الذي ينتاب الرباط، حيث أعرب رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، عن رغبة بلاده في تطوير علاقاتها مع الجزائر في شتى المجالات. وقال في تصريح للصحافة عقب اللقاء الذي خصه به رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إن البلدين تجمعهما “علاقات ممتازة”، كما يتقاسمان “روابط تاريخية”. وقال رئيس الحكومة الإسبانية “لا شيء يفرق البلدين كما لا يوجد خلاف بينهما”، معربا عن “الرغبة العميقة” للبلدين في الاستمرار على نفس الطريق. ولا تنظر الرباط بعين الرضا إلى هذا التقارب الإسباني - الجزائري، لأنها تعتقد أنه يتم على حسابها.
لقد أحست الرباط بقلق آخر، إثر تعيين الرئيس الأمريكي ترامب مدير الاستخبارات، مايك بومبيو، كاتب الدولة للخارجية خلفا ريكس تيلرسون، وهو الذي تصفه دوائر مغربية بأنه معاد للرباط، ما جعلها تسارع لإرسال وزير خارجيتها ناصر بوريطة إلى باريس التي بقيت الداعمة الوحيدة تقريبا للمقاربة المغربية في مختلف المحافل الدولية، بعدما عملت باريس على التسويق والترويح لفرضية الحكم الذاتي إلتى يقترحها المغرب في الصحراء الغربية، مقابل تغير في الموقف البريطاني، إلى جانب الولاياتالمتحدة، التي باتت مواقفها من الصحراء في ظل الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، غير متحمسة للطرح المغربي، ما جعل الرباط تحس بالاختناق داخل المجتمع الدولي.