لا "توافق" حمس أغرى السلطة وأحزابها، ولا "الإجماع الوطني" بالأمس للأفافاس فتح شهية الحوار على مصراعيه بين الموالاة والمعارضة، ولم تبد السلطة أي استعداد سوى لجر خصومها إلى اقتسام أعباء الأزمة المالية التي تواجهها، وقدمت لذلك مقترحا على لسان أحمد أويحيى يخص "حوارا وطنيا حول سبل خلق اقتصاد سوق ذي طابع اجتماعي"، لأن رفع الدعم عن الأسعار تحتاج فيه السلطة إلى "إجماع" لتنفيذه دون قلاقل. عندما يتوافق الأرندي مع حمس في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والدولية ويفترقان في المسائل السياسية، ولما يركز ولد عباس في لقائه مع وفد حركة البناء، على الحديث عن الجانب الاقتصادي ويتجاهل جملة وتفصيلا المطالب السياسية، ففي ذلك مؤشرات أن النظام يرفض كل تغيير جوهري ومستعد للنقاش وليس التفاوض فقط حول الحواشي ولا شيء غيرها. وضمن هذا التوجه يطرح السؤال هل السياسية هي التي تجر الاقتصاد أم العكس الاقتصاد هو من يحرك السياسة ؟ إذا كان الحديث يخص ما يجري في الخارج، فإن الأمور واضحة، الاقتصاد هو العامل الفاعل في السياسة، لكن في الجزائر ما زال الاقتصاد لم يتحرر من قبضة السلطة والأمثلة كثيرة تشهد على ذلك، بدليل لا نصيب لرجل الأعمال في كعكة السلطة إذا لم يكن من مقربيها، وهو أمر اشتكت منه العديد من منظمات أرباب العمل مجتمعة وحتى من رجال أعمال فرادى. يرى العديد من المتتبعين أنه إذا صلحت الأحوال السياسية فإن الأمور الاقتصادية ستتحسن بنسبة كبيرة، لأن وضعية الاقتصاد الوطني لا يمكن فصلها عن النموذج السياسي المتبع، فالحالة الاقتصادية "المتردية" باعتراف الموالاة قبل المعارضة، هي نتيجة لاستمرار نموذج سياسي، يسمح بالتداخل بين النخب الحاكمة وبين عالم المال والأعمال، ويعتمد على رجال أعمال وشركاء اقتصاديين تقليديين يراعون مصالحهم بالدرجة الأولى، وهذه الآلية التحكمية في عالم المال والأعمال يمكن حلها عن طريق "البورصة" المهمشة عمدا لسنوات، لأنها في الواقع ليست قضية اقتصادية بل هي سياسية بالدرجة الأولى وأيديولوجية أيضا لدى بعض صناع القرار. عندما تشير التقارير الاقتصادية الدولية، ومنها تقرير "كوفاس"، أن الضبابية السياسية في الجزائر تزيد من نسبة "المخاطرة" لدى شركات التأمين، ففي ذلك دليل على أن الاستقرار السياسي يعد عاملا رئيسا من العوامل المساعدة على الانتعاش الاقتصادي وجلب الاستثمارات الخارجية، وعندما تكثر المشكلات السياسية في البلد، فينعكس ذلك بجلاء واضح على الأداء الاقتصادي الذي لم يستطع الخروج من ركوده، وما تسجيل الديوان الوطني للإحصائيات نسبة نمو لا تتعدى 1.3 بالمائة في 2018، في بلد يحتاج إلى نسبة نمو أكثر من 7 بالمائة للحفاظ على البطالة في نسبها الحالية، سوى معطى على أن السياسة تعرقل وتكبح تطور الاقتصاد. مبادرة "التوافق" لحمس وقبلها مقترح "الإجماع الوطني" للأفافاس، كلها تسعى لتحرير السياسة (انتخابات شفافة وحقوق والحريات الفردية والجماعية...) لتحريك الاقتصاد المكبل بعدم وضوح الرؤية السياسية، بينما يتخندق أويحيى بمعية ولد عباس وراء عدم الحديث عن الرئاسة والجيش والاكتفاء فقط بالحوار حول الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ما يعني أن تحقيق "التوافق" أو "الإجماع" عليهما بصبر أيوب.