يعاني المجتمع في أيامنا هذه من انعدام الرقابة في مؤسساته المختلفة، ابتداء من الأسرة الّتي أهملت دورها في مراقبة الأبناء، ثمّ المدرسة الّتي يفرّط المشرفون عليها في مراقبة الطلبة والطالبات، وانتهاء بالمؤسسات الإدارية المتنوعة حيث نجد العمال والموظفين دون رقيب أو حسيب يفرطون للقيام بما كلّفوا به من أعمال ومصالح للنّاس ممّا نتج عنه تسيّب وتأخّر في إنجاز المشاريع وتحقيق الأهداف التنموية.. والرقابة هي الإشراف على وظيفة أو عمل ما، وتعتمد على دور الإدارة في التأكد من تطابق أنشطة بيئة العمل مع القوانين، وتعرف إداريًا بأنها عملية منتظمة يتأكّد من خلالها المدراء من مدى تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف وباستخدام طرق فعالة وذات كفاءة عالية. وتتمثل أهمية الرقابة إلى حدّ كبير في أغراضها وأهدافها من خلال عملية التقييم والمتابعة وتصحيح الأداء، فالأنظمة الرقابية تزوّد الشركة بقوّة التوجيه والتكامل والتحفيز وبذلك نستطيع القول أن الشركات الّتي تتمتع بإدارة جيّدة هي تلك الشركات الّتي تمتلك أنظمة رقابية فعالة والّتي من شأنها أن تعزز قدرتها على تنفيذ استراتيجياتها. إنّ تطبيق الرقابة في إدارة الشركات والمؤسّسات يعتمد على تحقيق مجموعة من الأهداف، منها مساعدة الإدارة في التأكد من تحقيق خُطة العمل وفقًا لمسارها الصحيح؛ وذلك للوصول إلى النجاح، ومتابعة تنفيذ الوظائف المُخطط لها، مع الكشف عن الأخطاء عند حدوثها؛ وذلك من أجل معالجتها بشكل فوريّ. إلى جانب المساهمة في الحفاظ على حقوق كافة العاملين، والعملاء، وأصحاب المصالح الذين يتعاملون مع المنشأة، بالإضافة للتأكد من تقيّد واحترام كافة الأطراف للقرارات الإدارية وتعزيز التعاون بين كافة الأقسام المشاركة بتنفيذ مهام العمل في المنشأة. مراقبة الآباء لأبنائهم يجب أن يعرف الوالدان ماذا يفعل أبناؤهما، وأين يذهبون، ومن يصادقون، وكيف يمضون يومهم، ليتمكنوا من توجيههم التوجيه السليم إذا ما كان هناك أيّ خطأ، لكن لا بدّ من الحرص التامّ على أن تكون هذه المراقبة في منتهى السرية دون أن يشعروا؛ كي لا يعتقدوا أنّهم محاصرون أو غير جديرين بالثقة من قبل والديهم. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}. إنّ من حقوق الطفل على أبويه حقّ الحماية من المخاطر والآفات، فعلى الوالدين رعاية الطفل في سلوكه ومراقبة حركاته وخطواته ومنعه من كلّ تصرف يفضي به إلى ما يضره ويؤذيه في نفسه أو خلقه أو دينه.. ومن هنا ينصح بوجوب زرع فكرة مراقبة الله لنا في نفوس الأبناء ليكونوا على يقظة دائمة أنّهم سيتعرضون لغضب الله إن همّوا بفعل سيّء، وبذلك يريحون والديهم كثيرًا من دوام مراقبتهم؛ لأنّهم مراقَبون من الله تعالى ويشعرون بوجوده ولا يحتاجون لرقابة من أيّ أحد غيرِه. مراقبة العمال في الإسلام قدَّر الإسلام العامل ومنحه من رعايته وعنايته ما يكفل له حقوقه، ويشجّعه على أداء واجباته، فوضع الحقّ إزاء الواجب؛ فكفل الإسلام للعامل حقّه في التعليم والحرية والعبادة، وكفل له كرامته الإنسانية في أوسع صورها، وجعله هو وصاحب العمل سواء، يؤدي كلّ منهما حقّ الآخر. ونلاحظ أنّ الإسلام يعتمد في علاقات العمال بأصحاب العمل وأداء كلّ واجبه على الناحية الخُلقية، وعلى مراقبة الضمير، وخشية الله تعالى؛ أكثر ممّا يعتمد على الإلزام والسيطرة؛ لأن سلطان الخلق والضمير أقوى من سلطان القانون، فرقابة الضمير حارس لا يغفل، وسلطان القانون حارس كثير الغفلة والنسيان، لكن هذا لا يمنع من وجوب مراقبة العمال وتحسيسهم بذلك حتّى لا يتغلب عليهم الشيطان أو هوى النفس.. ومن الجدير بالذكر أنّ من أسباب تقدم الأمم ونهوضها في مجال العمل هو الاهتمام بالإنسان، واحترامه، ومعاملته بهذه الصفة الّتي خلقه الله عليها، فتركّز هذه الدول على نفسيته وشخصيته وأسرته ومستقبله المعيشي وتأهيله العلمي والعملي؛ حتّى لو كان عاطلاً عن العمل، فالعامل على كاهله يقوم النشاط العام في مختلف شؤون الحياة، وكلّما ازداد تأهّل العامل لأداء عمله، واستجمع صفات الإجادة والإحسان كلّما انعكس ذلك على جماعته وأمّته، وبلغت ما تطمح إليه من رخاء وارتقاء. لقد كانت الرقابة في بداية الأمر في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الرّاشدين رقابة ذاتية، فقط فقد كان المسلمين يباشرون رقابة على أنفسهم ويراجعون تصرفاتهم حتّى يتأكّدوا من موافقتها لأحكام الشّرع واختصاصات وحدود ولايتهم كما كان الرّسول يباشر رقابة رئاسية على عماله وذلك بتوجيههم وإرشادهم ومحاسبتهم. وقد كانت الرقابة الرئاسية من الصفات الحميدة الّتي يجب أن يتحلّى بها الحكام. فقد سئل أعرابي عن أميره، فوصفه مادحًا: ”كان إذا وليّ لم يطابق جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم فالمحسن راج والمسيء خاف..”. ويجب أن يكون العامل قيّمًا على ذاته متابعًا لعمله، محاسبًا ومعاتبًا وزاجرًا لنفسه عند التقصير والإهمال مصداقًا لقوله تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، وأن يستشعر مراقبة الله له مصداقًا لقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}، ويخاف من الله في كلّ عمله، ذاكرًا قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، سيكون حينئذ أشدّ مراقبة ومحاسبة لنفسه، وهذا بدوره يجعله يطوّر ويحسّن من الأداء، ولقد نصحنا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، وتهيّئوا للعرض الأكبر يوم لا تخفي منكم خافية”.