داهم موعد الانتخابات الرئاسية الجميع، سلطة ومعارضة، حيث لم يعد يفصل عن استدعاء الهيئة الناخبة سوى أيام تحسب على أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك لم يتبيّن فيها الخيط الأبيض من الأسود، فلا مرشحين لهذا الموعد ظهروا للعيان، باستثناء دعوات لأحزاب الموالاة تدعو الرئيس لعهدة خامسة دون أن يرد عليها، وبوادر مقاطعة لأحزاب واشتراطات لدى أخرى في ظل أجواء تسودها ضبابية غير مسبوقة لم تستطع تحذيرات قيادة الجيش لعسكرييها المتقاعدين حسم الجدال السياسي فيها. لم ينتصر دعاة "التأجيل" في فرض منطقهم، ولم ينجح أنصار "التمديد" في افتكاك أجوبة تريحهم، فلا مقري حصد ما سعى لزرعه من وراء تأجيل موعد الرئاسيات لإشعار آخر غير تاريخ أفريل المقبل، ولا عمار غول وصل إلى سدرة المنتهى بندوته الوطنية، وانتهى الحراك في نهاية المطاف بإضافة علامات استفهام جديدة للضبابية السياسية بشكل جعل جميع الفاعلين السياسيين ينتظرون نزول وحي أو ترقب نشرة جوية سياسية تدل عن جهة هبوب الرياح. لم تلق مبادرات السياسيين سواء "الإجماع الوطني" أو ما تلاها من "التوافق الوطني" ولا ما سبقهما من "ندوة مزفران" بشقيها الأولى والثانية، أي رد فعل لدى أصحاب القرار، لا بالقبول ولا بالرفض، ولم يكن ذلك الصمت حيالها علامة للرضا، لكن هل يحدث العكس مع مبادرات "أبناء النظام"، على غرار الجنرال لغديري، أو ما جاء في مرافعة مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق، حتى وإن اختلف المحتوى بين الأول والثاني. لقد سارعت وزارة الدفاع، ومن خلال بيانات وتصريحات نارية، إلى معاتبة الجنرال غديري وبغضب شديد، وكأن الأمر يتعلق بمحاولة تسلل هذا الجنرال المتقاعد إلى منطقة الحظر الجوي والبحري والبري، بسبب حديثه عن الانتخابات الرئاسية. فهل أضحى الحديث عن الرئاسيات يمثل عبئا ثقيلا للمؤسسة العسكرية، بالرغم من أن الجميع يقر أن لهذه الأخيرة الكلمة الفصل فيها عبر تاريخ الجزائر. وإن لم يفهم لحد الآن السر وراء ردة الفعل العنيفة لوزارة الدفاع على مستخدميها السابقين، وفي الوقت الذي كان البعض يظن أن الملف يراد طيه بالسرعة القصوى، جاءت خرجة رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش والعقيد السابق في الجيش وابن "النظام" ليدلو هو الآخر بدلوه في موضوع دور الجيش والدولة والحكم، وهي خرجة ليست من باب التنفيس بعد صمت طويل، بقدر ما حملت رسائل مشفّرة لأصحاب القرار. ويؤشر التوقيت الزمني الذي اختاره حمروش (لم يتحدث منذ 2014)، أن وضعية البلد ليست على ما يرام بالنظر إلى المستجدات الجيواستراتيجية الإقليمية والعالمية، ما يعني أنها "بمثابة صرخة" ل "إنقاذ" السفينة من الغرق. ويذكر رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، الذي ارتبط اسمه ب "الإصلاحات" في بداية التعددية، أنه "لا يوجد جيش وطني في العالم تنتفي عنه صفة التسييس"، كما لا يوجد جيش، حسبه، معاد للسياسة. أبعد من ذلك، يدعو حمروش، في مقاله، النظام السياسي إلى ممارسة عهدته وإخضاع قراراته ذات الأثر على المجتمع، إلى النقاش "حتى تكون متساوقة مع مصالح المجموعة الوطنية، وأن يخضع هو نفسه للحساب"، وفي ذلك رسالة إلى أن سياسة "الحصرية" و"الانفرادية" بالقرار ليس بمقدورها حل مشاكل البلد. وحمروش بذلك يقترب مما تقترحه الفعاليات السياسية التي ظلت تدعو السلطة دوما إلى ضرورة إشراكها في الحوار حول الملفات الكبرى، وليس كما جرى ويجري بإدارة الظهر لها. فهل تجد خرجة حمروش آذانا في السلطة تأخذ بها، خصوصا في ظل تواجد معطيات صعبة وصفها الوزير الأول أحمد أويحيى في وقت ليس ببعيد بأن "الموس وصل للعظم". وتوقّع معهد كرنيجي الأمريكي، حدوث اضطرابات اجتماعية في 2019 بالجزائر على خلفية الأوضاع المالية الصعبة للبلد؟ وهل ستتعامل السلطة مع "ابن النظام" حمروش، مثلما تعاملت مع مبادرات أحزاب المعارضة برفضها "جملة وتفصيلا"، فلا "الإجماع الوطني" لجبهة القوى الاشتراكية وجد الترحيب، ولا "التوافق الوطني" لحركة حمس لقيت الإعجاب ولا "ندوة" غول نالت القبول ولا "الاستمرارية" تلقت الجواب، وفي ذلك مؤشر على أن هذا السكون والجمود أقرب ما يكون شبيه بمياه المستنقع، هادئة من فوق ومتعفنة من تحت وهو الخطر بعينه.