أصدرت الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد تقريرا أسود عن واقع الصفقات العمومية في الجزائر، ضمنته تشريحا دقيقا للمسار المتبع في إعداد ومنح ومتابعة عقود الصفقات الحكومية، بداية من الإطار المؤسساتي وانتهاء بنمط مراقبة سريانها وتجسيده في الميدان. أعد التقرير كل من نائب رئيس الجمعية، محفوظ بدروني، وأمينها العام حليم فدال، حيث أكد أن قانون الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام شهد عدة تعديلات وإلغاءات متكررة منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة، مشيرا إلى أنه منذ 2002، عرف القانون المتعلق بالصفقات العمومية أربعة تعديلات وإلغاءين اثنين، وأن “الغرض من ذلك هو تسهيل لأكبر قدر ممكن من الفساد في جميع مصالح وإدارات الدولة”، إضافة إلى “تكريس هيمنة السلطة التنفيذية على جميع السلطات الأخرى”، على اعتبار أن “هدف السلطة هو تعميم ودمقرطة الفساد”، ما أدى إلى انتشار “الاختلاسات والتجاوزات والفساد في كل القطاعات وجميع مؤسسات الدولة”. وأضاف التقرير أن قانون تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام “لا يطبق على المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري إلا في حالة ما إذا كانت مكلفة بإنجاز عملية ممولة، كليا أو جزئيا، وبمساهمة مؤقتة ونهائية من الدولة أو من الجماعات المحلية (المادة 6 من المرسوم الرئاسي)، بينما صفقات القطاع الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسات الضمان الاجتماعي، شركات التأمينات، مؤسسات الترقية العقارية.. وغيرها). وبحسب التقرير ذاته، “لا تخضع عقود اقتناء أو تأجير الأراضي أو العقارات، العقود المتعلقة بالإشراف المنتدب على المشاريع، العقود المبرمة مع المحامين ومكاتب الاستشارات القانونية”، كما أن “اللجوء إلى الإشهار يتم عموما حسب اعتبارات سياسية، فمعظم الإشهار على الإعلانات عن الصفقات يتم بواسطة جرائد غير معروفة وغير مقروءة أصلا”، ما يضفي غموضا ويشكك في نوايا الإدارة. وتحدث التقرير عن الإعفاء من أحكام القانون، الصفقات المتعلقة باستيراد المنتجات والخدمات التي تتطلب السرعة في اتخاذ القرار بحكم طبيعتها والتقلبات السريعة في أسعارها ومدى توفرها، ملاحظا أن قرار الوزير المعني بهذا النوع من الصفقات لم يصدر إلى حد يومنا هذا. وفي الشق المتعلق بمراقبة الصفقات العمومية، أشار التقرير إلى الأحكام المتعلقة بذلك، مبينا أن أجهزة الرقابة البعدية هي مجرد أداة بيد السلطة التنفيذية مثل مجلس المحاسبة، والمفتشية العامة للمالية، والمفتشيات على مستوى الوزارات والولايات، وهي أجهزة غير فعالة وغير مجدية. ولدى تطرقه إلى ما أسماه بالممارسات غير القانونية وغير المطابقة مع قانون الصفقات العمومية، لخص التقرير الانتهاكات والتجاوزات الرئيسية للقواعد والإجراءات في تسيير الصفقات مثل عدم مصداقية التقديرات الإدارية، إذ تعتبر هوامش الخطأ كبيرة جدا، كالتسامح في الكشوفات التقديرية بأكثر من 50 بالمائة من تكلفة المشروع، وفي بعض الأحيان “يتم تضخيم الكلفة التقديرية عن علم من أجل الاستفادة من (الرشاوى) التي تمنحها الشركة الفائزة”. ويشار إلى أن ترتيب الجزائر تحسن في مؤشّر مدركات الفساد لعام 2018، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية، حيث احتلت المرتبة 105 من بين 180 دولة مقارنة بالمركز 112 الذي احتلته العام الماضي. ونشرت المنظمة المذكورة هذا التصنيف أمس، مشيرة إلى حصول الجزائر على 35 نقطة على 100، مقارنة ب33 نقطة تحصلت عليها في مؤشر 2017، لتتشارك مع كل من أرمينيا والبرازيل وكوت ديفوار ومصر والسلفادور والبيرو وتيمور الشرقية وزامبيا في المركز 105، بينما احتلت الجارتان تونس والمغرب المرتبة 73. وفي صدارة التصنيف جاءت الدانمارك في المركز الأول ونيوزيلاندا ثانية، ثم كل من فنلندا وسويسرا وسنغافورة في المركز الثالث وفقا لذات المؤشر.