رمت المظاهرات الشعبية ضد العهدة الخامسة التي شهدتها ولايات الوطن بالكرة في مرمى النظام لتغيير بوصلة الاتجاه، ولكن لن يتأتى له ذلك من دون قراءة حقيقية ومتأنية ل"صرخة" الشارع، فهل يتلقف عقلاء النظام هذه اللحظة للمبادرة بأجوبة في مستوى ما ينتظره الشارع المنتفض ؟ أم أن عقلية التسويف والالتفاف ستحاول توفيت فرص الإقلاع ؟ لا علاقة لما حدث في 5 أكتوبر 88، أو ما وقع في 5 جانفي 2011 فيما سمي "أحداث الزيت والسكر"، بما جرى يوم 22 فيفري الجاري من مظاهرات في ولايات الوطن، لا في الشكل ولا في المضمون. وإذا قيل عن أحداث أكتوبر 88 بأنها "شغب أطفال" في بدايتها، قبل أن يقتنع عقلاء النظام يومها بأنه لا مفر من القيام بتغييرات وإصلاحات أنجبت دستور 89 وفتحت مجال الحرية والتعددية، فإن مظاهرات 22 فيفري ضد العهدة الخامسة لا تحتاج إلى أوصاف أو نعوت أو اتهامات، مثلما يجتهد البعض في الموالاة لإيجاد مادة غراء لإلصاقها بتلك المسيرات، بقدر ما تدعو إلى قراءة صحيحة لها من قبل عقلاء النظام، حتى لا تكبر كرة الثلج وتتحول إلى طوفان جارف. فهل هناك مؤشرات عن استعداد داخل أجهزة الحكم للجنوح إلى الرد إيجابا على المطالب المرفوعة ؟ إن عدم لجوء قوات الأمن التي انتشرت بكثرة في مختلف المدن والولايات، إلى أي استفزاز أو الاصطدام مع المتظاهرين، وعدم تسجيل ضحايا أو جرحى، يؤشر أن تعليمات أعطيت لتفادي أي عنف، لأن التجربة علمت أن سقوط ضحايا من شأنه تأجيج الغضب أكثر فأكثر، وهذه نقطة تحسب لعقلاء في النظام، غير أنه في المقابل جرت محاولات "التعتيم" على هذه الأحداث والسعي إلى تغييبها والتي تجلت في خلق تذبذب في شبكة الأنترنت ومنع الإعلام العمومي وحتى القنوات الخاصة من بث هذه المسيرات، وهو سلوك يفهم منه وجود نية داخل أجنحة في السلطة لتقزيم ما جرى وتتفيه رسائله، خصوصا بعدما تميزت المظاهرات بالهدوء الذي أسقط معه تلك الحجج التي كانت تستعملها السلطة ل"شيطنة" الحق في التظاهر وخصوصا في العاصمة بترويج عبارات عدم التحضر والتهراس والعنف. من جهة المتظاهرين، فإن الرسائل المرسلة وصلت بالصورة والصوت، بحيث كانت تلتقي في رفض العهدة الخامسة والتمديد والتوريث، والكرة الآن في مرمى النظام للقيام بقراءة صحيحة لكل ما جرى، خصوصا وأنه يملك معطيات ميدانية حقيقية لا يملكها غيره بشأن هذه المسيرات والمدى الذي قد تصله مستقبلا، ولدى أجهزته سبر آراء وطني عن موقف الجزائريين سواء الذين خرجوا إلى الشارع أو الذين امتنعوا خوفا من العنف ليس إلا، إزاء العهدة الخامسة والانتخابات الرئاسية المقبلة، بعيدا عن التقارير الزبائنية المفبركة والحسابات المصلحية الضيقة للمولاة، وبالتالي التمكن من اتخاذ القرارات الصائبة والمطلوبة وعدم السعي كالعادة للالتفاف حول هذه المطالب وتمييعها بإصلاحات جوفاء لا طعم ولا رائحة لها، وذلك للخروج من هذه الأزمة بأخف الأضرار قبل أن تتطور الأمور ويصعب حينها التحكم في الشارع.