بلغ، أمس، الحِراك الشَّعبي ضِدّ النظام أُسبوعه الرَابع، وهي الفترة الذي انتزع فيها الشعب بعض المكاسب الاِجتماعية والسياسية، رغم عدم تحقيق المطلب الأول وهو رحيل بوتفليقة، غير أنّ الجزائريين وغداة جمعة ال15 مارس، تساءلوا عن موعد المرحلة الثانية من الحِراك؟ وفيما إذا كان انتظار ردود فعل السُلطة هو أقصى ما يستطيعونه، على الأقل حاليا؟ هي التساؤلات التي طرحها الكثير من المواطنين خِلال وبعد مسيرة، أوّل أمس الجمعة، والتي اختلف حولها أيضا مُختصون وحقوقيون متحدثون ل"الخبر" بين من يرى أنّه لا بدّ من مواصلة ضغط الشّارع للسُلطة القائمة، ومن يرى أنه وجب الانتقال إلى مرحلة ثانية، من خلال تأطير الحِراك بممثلين قادرين على التفاوض مع السلطة. يرى المحامي مقران آيت العربي، أنّ "الوقت يخدم الشعب ولا يخدم النظام"، بما يعني أن التريث في هذا الظرف واجب. ويشرح المُتحدث في تصريحه ل"الخبر"، أنّ السُلطة الحالية تُروِجُ لمجموعة من الأشخاص عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي لتجعل منهم مُفاوضين وممثلين عن الشعب، ما يؤدي إلى امتلاك السلطة لوسيلتين، أولى رسمية، عبر أجهزتها ومؤسساتها الرسمية، وثانية غير رسمية عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي. وكشف نفس المصدر عن أخبار (غير مؤكدة) تفيد بأنّ أشخاصا اتصلوا بالأخضر الابراهيمي، أو هو اتصل بهم، ليفاوضهم كممثلين عن الشعب، غير أنّ مُحدثنا قال بأنه "لا أحد له الحق في التفاوض بدلا عن الشعب"، كون الشعب لحد الآن لم يفاوض أحدا، وأن التفويض لا يمكن أن يتم عن طريق "الفايسبوك". وعن كيفية اختيار ممثلين عن الشعب، قال آيت العربي، إنّ الشعب الذي خرج بالملايين مُطالبا بإسقاط النظام، يمكن أن تتفجر منه طاقات شابة، كفأة ونزيهة لم تُشارك في فساد النظام. وانتهى محدثنا إلى القول بأن الأحداث تسير في صالح الشعب وفي اتجاه القطيعة بين الشعب والنظام الفاسد، وأن التريث في الوقت الحالي هو الحل الأنسب، كون السلطة هي التي تريد استعجال الأحداث. من جهته، يرى الناشط سمير بلعربي، أنه بعد تاريخ 11 مارس "خرجت الجزائر من الجمهورية الديمقراطية إلى المملكة البوتفليقية"، وأنّ "الرّئيس صار يتصرّف في الجزائر كأنه بيته الشخصي"، وانتقلنا من الانتخاب إلى التمديد، بما يعني فرض سياسة الأمر الواقع. ودعا المتحدث إلى الصبر إلى غاية تحقق الأهداف عبر المسيرات السلمية، وعدم منح النظام فرصة جرّه إلى العنف، محذّرا من مغبة استمرار تصرفات السلطة الانفرادية، على غرار تشكيل حكومة جديدة، مفيدا أن هذا يمكن أن يجعل المسيرات يومية وليست أسبوعية. وعن تأطير الحراك الشعبي، قال المُتحدث، إنّ هذا سابقٌ لأوانه كون السُلطة لم تستجب للمطلب الأوّل وهو رحيل بوتفليقة. فيما قال نور الدين بكيس، دكتور في علم الاجتماع السياسي، ل"الخبر"، إنّ تأطير الحراك الشعبي سريعا هو أكثر من ضرورة. وأوضح مُحدثنا بالقول، إنّ السُؤال عن مرحلة ثانية من الحراك الشعبي، لا بدّ أن يسبقه سُؤال أهم، وهو: من يُسيّرُ الحِراك ومن يستطيع أن يُؤطره وفق اِستراتيجيات معينة؟ وأضاف الأستاذ الجامعي بأنّ خُصوصية الحِراك الشعبي الحالي في الجزائر تأثيره أفقيا وليس عموديا، أي لا يملك قيادة. وهذه الحالة تنتج حالة أخرى، وهي أن أي شخص على شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يصبح مؤثرا فاعلا، وقد يكون صعب تحديد هذا الفاعل الذي قد يستعمل اسما مستعارا. كما ذكر مُحدثنا بأنّ الحراك الشعبي الحالي قويٌ جدًا، ولكنه هشٌ من حيث القُدرة على التأطير بشكل يجعله أقربُ إلى ردّ الفعل العاطفي العاكس لحجم الاستياء، بسبب غياب النخب، وأن الفراغ الحالي وترك الشارع للتأطير الذاتي، يخرج الجهويات والإيديولوجيات والخصوصيات، مستدلا بكون المطلب الذي كان مُوحدًا، وهو إسقاط الخامسة، تحوّل بمُجردِ سُقوطها إلى مطالب مُتعددة. ويُضيف بكيس، أنّ هذا الغياب يبقي فقط المُؤسسة الأمنية في الواجهة، بشكل يجعل أيّ قمعٍ من طرف أحد أفرادها أو مجموعاتها قد يُؤدي إلى انفلات أمني. وهو سيناريو، قال مُحدِثنا، إنه مطروح أيضًا، خاصّة وأن هذا يأتي بالموازاة مع قيام البعض بمُغازلة غير عقلانية للحراك. من جهته، يرى نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المحامي عبد المطلب قنان، بأنّ الحِراك خُطوةٌ طيبة، لكن بالوصول إلى أربع جمعات وجب التفكير في مرحلة ثانية كون الجهود حاليا تبقى مُشتتة. وأضاف أنّ المنطق يقتضي أن يكون للحراك مؤطرين يتمّ اختيارهم وِفق معايير مُعيّنة، مُفيدا بأنّ مرحلة التحرك الشعبي غير المؤطر طالت قليلا، خاصّة وأنّ النظام، حسبه، يلعب على هذا الوتر، حيث يُقدّم بعض التنازلات من حين لآخر، مراهنا على إرهاق الشعب، على غرار ما تفعله فرنسا مع السترات الصفراء الذين يتقلص عددهم من أسبوع لآخر. وعليه دعا المتحدث إلى تشكيل ممثلين، على أن يخضعوا إلى معايير مُحددَة.