يطالب الحراك الشعبي بتنحي الرئيس والرحيل بشعار "ماتزيدش دقيقة يا بوتفليقة"، وهناك مفتاح دستوري يخص تطبيق حالة الشغور لعجز صحي، وهناك إعلان الرئيس الاستقالة وتكليف رئيس مجلس الأمة بمهامه. ردود فعل السلطة عبر مختلف رسائلها لا يبدو أن هذه الحالات مطروحة في أجندتها، ورحلة لعمامرة ما بين العواصم المؤثرة تركز على دعم بقاء الرئيس خارج الدستور لإدارة مخرجات "الندوة الوطنية". على نفس المنوال الذي جاءت به رسالة السلطة بمناسبة ذكرى عيد النصر، باستمرار الرئيس في منصبه حتى بعد نهاية عهدته الدستورية، جاءت تنقلات نائب الوزير الأول وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، إلى إيطالياوموسكو، هي الأخرى من أجل انتزاع دعم دولي لبقاء الرئيس في منصبه، خارج الشرعية الدستورية، لترتيب أوراق "الندوة الوطنية" وبمبرر ضمان مصالح تلك العواصم. ولا يخفى على أحد أن الحصول على دعم كبرى العواصم لخريطة الطريق للسلطة والمرفوضة شعبيا، ليست دون مقابل، بل يجب تقديم "تنازلات" ومزايا لهذه الدول نظير الحصول على سكوتها، لأن السياسة تحكمها المصالح والمنافع أكثر من الصداقات والمبادئ. هذا معناه أن السلطة بلجوئها إلى الخارج وإدارة ظهرها لمطالب شعبها تريد رهن مقدرات الدولة الجزائرية وسلطة قرارها فقط من أجل الحفاظ على بقائها مؤقتا ب"تمديد" العهدة الرابعة لأشهر أخرى برعاية خارجية على حساب الرفض الشعبي الداخلي لها. وتعد هذه الخطوة تعديا في حد ذاته على أحد أهم ركائز الدبلوماسية الجزائرية التي ظلت دوما تعتمد مقاربة سليمة في تعاطيها مع الثورات الشعبية التي عرفتها العديد من الدول، عربية كانت أو أجنبية، وهي أن الجزائر تقيم علاقات مع الدول وليس مع الأنظمة. فكيف يطلب لعمامرة، حاليا، من العواصم الغربية دعم منظومة حكم على حساب مطالب شعب تلك الدولة؟ إن خيار بقاء السلطة خارج الشرعية الدستورية من شأنه إضعاف الدولة الجزائرية، مقابل تعاظم التكالب الخارجي عليها ل"ابتزازها"، ما يعني أن الطريق الذي اختاره الرئيس ثمنه مكلف جدا ويفتقد لضمانات ثابتة، لأن مواقف هذه العواصم اليوم شيء وغدا أمر آخر، وبالتالي تعد بمثابة قفزة في المجهول. ولعل هذا الوضع هو ما جعل موسكو، أكبر شريك للجزائر في بيع السلاح، تجد صعوبة في تحديد موقفها، فمن جهة تدعم خريطة طريق الرئيس بوتفليقة المرفوضة شعبيا وفي الوقت نفسه تدعو للبقاء في إطار الدستور! لماذا لا يبادر الرئيس بتقديم الاستقالة، خصوصا أن المسيرات الشعبية طالبته بالرحيل، وهو مفتاح دستوري يضمن تنقلا سلسا للسلطة لفائدة رئيس مجلس الأمة لتسيير فترة ال90 يوما والعودة لتنظيم الانتخابات الرئاسية؟ كما أن المجلس الدستوري بإمكانه تفعيل المادة 102 حول حالة المانع بفعل العجز الصحي، وهي مفاتيح أخف ضررا من الدخول في مرحلة خارج الشرعية الدستورية فقط لربح السلطة الوقت بنية استرجاع المبادرة من "سلطة من لا سلطة لهم". لقد ذكر قائد أركان الجيش، الفريق ڤايد صالح، أن الجيش الوطني الشعبي سيكون دوما، وفقا لمهامه، الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال، فكل ذي عقل وحكمة يدرك بحسه الوطني وببصيرته بعيدة النظر أن لكل مشكلة حلا بل حلول، فالمشاكل مهما تعقدت لن تبقى من دون حلول مناسبة بل وملائمة، هذه الحلول التي نؤمن أشدّ الإيمان بأنها تتطلب التحلي بروح المسؤولية من أجل إيجاد الحلول في أقرب وقت، بإذن الله تعالى وقوته. فهل يعني ذلك أن الجيش فصل في الخيارات قبل انتهاء العهدة الرئاسية؟